Sunday, April 11, 2010

نيولوك


أحوال متولى هذه الايام عجيبه ...

والمفترض ان رصيده من سنوات العمر أقل مما مضى , لكنه يتصرف هذه الأيام كمراهق محروم !

(( بسلامته )) متفرغ الان لقنوات الدش , خاصة ( الفيديو كليب ) , وهى قنوات عديدة لا حصر لها , وتعمل بلا أنقطاع ..

ولكم أن تتخيلوا - يا أصدقائى - حالة مراهق يتابع فتيات جميلات يرقصن على أنغام مجنونه تحرك الحجر وتخرجه عن وقاره !

ولابد أن يتاهب اولا بطقوس خاصة قبل بدأ رحلته اليوميه أمام الدش .. عدة زجاجات مياه غازية من فئة اللتر , كميات خيالية من اللب الابيض والاسمر والفول السودانى .. عدد رهيب من قطع الشيكولاته والبسكويت واكياس الشيبسى ! ويبدا فى التسخين اولاً , بمشاهدة بعض القنوات الاخبارية , كأنه يثبت لى انه لا يقصد فتيات الفيديو كليب ..

ثم يمط شفتيه الغليظتين قائلاً :

- أعوذ بالله .. مفيش غير أخبار القتل والأغتيالات والدمار ... ويتابع بعد أن يرمقنى بطرف عينه :

- لا لا لا أعصابى ماعدتش تستحمل الفظائع دى ...

بعدها يحول المؤشر الى قناه الرياضة , وهى خطة ذكية لانه يعلم مدى كرهى لكرة القدم , مما يجعلنى أترك المكان ساخطة ! وما أن أغادره , حتى يسرع بتحويل المسار الى الفيديو كليب ...

فتصلنى اصوات الاغانى خافته , لأنه يخفض الصوت متصوراً أنه لن يصل الى اذنى ! ويستمر فى المتابعه المجنونه حتى ساعات الصباح الأولى ... لو كان الأمر ينتهى عند هذا الحد لما كان هناك أيه مشكلة فهو يريحنى من متاعبه خلال تلك الساعات الطويلة ... لكنه يبدا فى فاصل طويل من الأنتقادات , أول ما ينتهى من المشاهده :

- مش عاوزه تخسٌى شويه ؟!

- ليه بقى .. شايفنى تخينه ؟

- مش النظرية .. بس لو شفتى البنت اللى بترقص فى أغنية ( أبعد عنى ) .......

- أنا مش رقاصة ياسى متولى .. أنا زوجة محترمة مانتش عارف قيمتها , أو يقول بعد ان يرمقنى طويلاً :

- عارفة يا نانا ... لو تفكى التكشيرة اللى على وشك حتيقى أخر جمال !

- أنا اخر جمال من غير حاجة ..... وبعدين التكشيرة دى سببها حضرتك !

- أنا ؟! ليه بقى ؟

- أحوالك اللى مترضيش حد ..

- مالها أحوالى ؟

- قعدتك قدام الدش , وعينك اللى بتبقى هتخرج من مكانها !!

- يا شيخة دى مجرد تسالى ... بقطع بيها وقتى !

- حد بيتسلى اتناشر ساعه فى اليوم !! ده انت بتبقى نايم على نفسك .. أو يتفحصنى ملياً ثم يقترح :

- نانا أنتى مزهقتيش ؟

- من ايه ؟

-يعنى كل يوم شكلك هو هو ..

- مش فاهمة ..

- أيه رأيك تعملى New Look ?

- نيو لوك ؟!!

- أه .. تكبرى عينيمى شويه .. وتصغرى مناخيرك ... وتعملى تقويم للاسنان !

- نعم نعم ؟! أنت مش عاجبك حاجة فيا بقى ...

- مش قصدى يا حبيبتى ...

- إوعى تقول الكلمة دى تانى .. أنا لو حبيبتك بجد , كنت تحبنى زى ما انا !

- النيو لوك يا نانا بقى موضه دلوقت .. ومش لازم الوحدة تكون وحشة عشان تعمله .. وهكذا , يظل كل ليلة (( يسمم بدنى )) بتعليقاته المستفزه التى لا تنتهى ... ويتركنى لينام فى هدوء بينما انا ( آكل فى نفسى ) من الغيظ !

فكرت طويلا , كيف اضع حداً لتعلقه المرضى بالفيديو كليب , حتى توصلت الى فكرة جديدة ! صعدت الى سطح العمارة , وقمت بتغيير أتجاه الدش , ثم جلست فى براءة أنتظر عودته من عمله !

فى موعده تماماً , وصل يحمل التموين اليومى الذى يزيد من أطنان الشحم التى تكسو جسده وقال بسرعه - كعادته - :

- الأكل بسرعه يا نانا لحسن انا واقع من الجوع !

دخلت المطبخ لاعد له الطعام ... وما هى الا ثوانى حتى انطلقت صرخته :

- أيه بس اللى حصل ... والله العظيم كده حرام !!

تصنعت اللهفه , وانا مقبله عليه أسأله :

- فيه أيه يا متولى ؟!

- الدش باظ ... تصورى !

- جايز مهنج يا حبيبى .. أفصل الكهرباء وجرب تانى !

- جربت ومفيش فايدة !

جلس مكتئباً , فهمست :

- الأكل جاهز ...

- مليش نفس ...

لكنه قال وهو يتمتم :

- بس انا جعاان !

لم ينتظر كثيراً .. فيعد أن أنتهى من غذائه , أسرع الى الهاتف يتصل بعمال الاصلاح , وجلس على أحر من الجمر !

وجاء العمال ....

- ورجعت ريما لعادتها القديمة .......

===================

ما كنت لاتحمل هذا العذاب ثانية .. لكن ماذا افعل ؟!! هل أترك له البيت , حتى ينصلح حاله ؟ أم احطم هذا الجهاز اللعين ؟

همست بهذه التساؤلات لصديقتى مايا , فقالت لى :

- خليكى عاقلة يا نانا .. ومتخربيش بيتك بأيدك ....

- لكن انا مش قادرة استحمل !

- أيه رايك تنفذى كلامه ؟

- كلام ايه ؟

- هو مش طلب منك تعملى نيو لوك ؟

- انتى اتجننتى يا مايا ؟! انا ادخل اوضه العمليات , واخليهم يلعبوا فى وشى ويلخبطوا ملامحى ؟! عشان أيه يعنى ؟

- أولا دى بقت عمليات سهلة جداً , ومفيهاش لخبطه , ثانيا لازم تعملى كده عشان تعجبيه وتخليه يتفرج عليكى انتى بدل بنات الفيديو كليب !

- مهما قلتى يا مايا .. مستحيل أقتنع .. ومستحيل أعمل النيو لوك ده !

صعدت الى السلم الفاخر .. ودلفت من باب (( السنتر )) الضخم (( عنايات بيوتى بالاس )) لأجد فتاه رائعه الجمال تستقبلنى بابتسامة أروع , طلبت منى فى لهجة مهذبه ان اجلس فى أنتظار دورى ..

تجولت بعينى أتفحص الجالسات اللائى جئن ساعيات وراء الجمال ؟؟؟



كانت أغلبهن مما تعدين الاربعين ( مرتاح ) .. ذلك السن الذى يعلن فى قسوه عن أنتهاء مرحلة الشباب , وبداية مرحلة الشيخوخة , حيث تزحف التجاعيد الى الوجوه بلا رحمة وتكسوها الغضون , وتنتشر فى أرجائها البقع مختلفة الألوان والاحجام !

إن المرأه لتخشى هذا السن خشيتها من الموت ذاته !

وتبدأ فى التشبث بالسنوات والشهور والأيام ... بل والساعات التالية ! انها لا تريد للوقت ان يمضى ... ولا لعقرب الدقائق أن يتحرك ... وتحاول بكل طاقتها أن تستمتع بالأيام التى تمضى .. تأخذ معها مسحة من الجمال ... وتترك خطاً فى ركن الفم .. أو شعره جديدة بيضاء ! إن النساء معذورات فى سعيهن وراء أى امل فى وقف عجلة الزمن ... ولو كان بأساليب أصطناعيه باهظة الثمن .

بعد دقائق طويلة , دخلت الى الطبيب .. الذى رفع حاجبيه دهشة بمجرد ان رآنى , وأشار لى بالجلوس وهو يقول :

- حضرتك محتاجة (( عمرة )) كاملة !

حدجته بنظرة نارية وانا أسأله :

- عمرة فى ايه بالظبط ؟

- فى كل حاجة من أول شعر راسك لحد صوابع رجليكى !

- أسمح لى يا دكتور إنت عديم الذوق !

أبتسم فى هدوء قاتل :

- لما تسيبى لى نفسك ... وبعدين تشوفى النتيجة , هتغيرى رايك !

نجح الملعون فى إثارة أهتمامى بشدة , فوجدتنى أهمس :

- بجد ؟!

- بجد .. بس تقلّى جيبك عشان المشوار طويل !

- بالنسبة للفلوس ميهمكش .. المهم انا محتاجة أيه بالظبط ؟

- شوفى يا ستى .. ح نعيد نحت جسمك من جديد , ونشفظ الدهون الزائدة , ونزيل الخطوط البيضا , دوالى الساقين ... ونحقن رجليكى بالكولاجين , ونعمل لك تدبيس للمعده عشان متاكليش كتير .. وهنعيد تنسيق وتظبيط حجم الصدر .. بعد كده هندخل على الرأس !

- الرأس ؟!

- أيوه .. ح نزرعلك شعر جديد بدل شعرك الأكرت ده ببصيلات ميكرويكوبيه , وبعدين نعمل شد وجه كامل وصنفرة , وتجميل للأنف ,؟ والفكين , وتقويم للاسنان , وتكبير للشفايف , ووشم الحاجبين , ونزيل تجاعيد الرقبة بحقنها بالبوتكس , ونزيل الوحمات والحسنات الكثيرة دى باللبزر ... سيادتك مستعجلة ولا أكمّل ؟!

- لا متكملش .. ابتدى علطووووووول !

- طيب من فضلك سيبى ثلاثة ألاف جنيه فى الحساب !

================

كان لابد لى من الاختفاء نهائياً عن أنظار الجميع حتى تنتهى رحلتى العلاجية التجميلية !

فأخترت الإقامة بالمستشفى الأستثمارى حتى نهاية الرحلة !

أغلقت هاتفى المحمول , واعتبرت هذه الفتره استجمام نفسى خاصى من معاناتى مع متولى وبنات الفيديو كليب ... وسلمت نفسى تماماً لأطباء المستشفى آملة أن أخرج منها قمر 14 او 16 ..

أسبوعان كاملان قضيتهما بين غرفة العمليات , وسريرى .. تطورت خلالهما (( نانا )) - التى هى انا - تطوراً مذهلاً , وتلاشت عشرون سنة - على الأقل - من عمرها !! ولما نظرت فى المرآه فى مشهد يشابه افلام فاتن حمامه بعد العمليه ( اسبهليت ) " فيرب أسبهلال ويلحق أحياناً بـ ing " وفغرت (( فاى )) من الدهشة , ووقعت فى ( غرامى ) لشوشتى !

رأيت أجمل (( بنوته )) فى الدنيا بلا مبالغة ... القوام غصن بان .. والوجه لوحة لجوجان ...

الشعر made in jaban والعينان كمدافع الامريكان ... والأنف والفن والاسنان تعقّد بنات الأنس والجان ! شئ مذهل جداً !!!!!!! .

================

وانا عائدة الى البيت لم أستقل أيه وسيلة مواصلات وقررت أن أذهب سيراً على الأقدام , لتجربة النيو لوك عملياً ..

كان الناس يحملقون فيّ , ..... السائرون على الأقدام , والراكبون بلا أستثناء !

رأيت فى عيون البنات نظرات الحسرة والحسد ...

أما الشباب والرجال فحدث ولا حرج , قد كانت نظراتهم تزعجنى من جرأتها ووقاحتها ! شعرت بذاتى كما لم أشعر من قبل .....

وأحسست بجمالى كأنى كنت قبل الآن رجلاً !

وارتفعت معنوياتى الى عنان السناء ...

وطافت بعقلى خاطرة مزعجة !

هل يستحقنى رجلاً مثل متولى الأن ؟!

هل أناسبه كزوجة الآن . ؟ أم كأبنة ؟!

ولأنى أمرأه - اقصد فتاه - محترمة , سريعاً ما نفضت عنى هذه الأفكار وأقبلت على بيتى وأنا فى ذروة الأنفعال ... انتظاراً لردة فعل متولى عندما يرانى !

لم أستخدم المصعد عندما وصلت , ورحت أطوى السلالم فرادى وجماعات , حتى أستقر أصبعى على الجرس , ولم يتركه الا عندما فتح الباب :

ان ان ان ان ان ان دشششششش ..

- م .. مساء الخير !!

كانت عيناه متسعتين , ولسانه متدلياً , وهو يتمتم , بينما تلتهمنى نظراته الجائعه ...

سألته فى نعومه تناسب ( نيولوكى ) :

- نانا موجوده ؟

رد وهو يلهث , ويجفف عرقه بيده :

- لـ لـ .. لأ ...... نانا مسافرة , مين حضرتك ؟!

- أنا نانى صاحبتها ... ممكن أدخل أستريح شويه ؟ .. أصلى طلعت على السلم !

بحمااس شديد جداً , افسح لى الطريق والكان وهو يردد بأنفعال :

- أتفضلى يا هانم ... أتقضلى البيت نور والله .

جلست على الأريكة , ووضعت ساقاً على ساق , وانا اقول :

- ممكن شوية ميه ؟

- شويه ميه بس ؟! .. أأمرى حضرتك .. شاى .. قهوه .. نسكافيه ..

- لأ انا عاوزه ميه بس !

- ثوان معدودات , وعاد يلهث , حتى ان الماء كان ينسكب من الكوب وهو يناولنى أياه قائلاً :

- أتفضلى يا هانم .. الف هنا وشفا .

تناولت رشفه واحدة من كما يفعلون فى الأفلام العربية , وناولته الكوب وانا أقول فى دلال :

- تعرف ان حضرتك لطيف ؟ أندفع يهتف :

- وظريف ةخفيف كمان يا هانم .. انا خدام الجمال ..

- أفندم ..

- أسف يا هانم .. اصل حضرتك مش حلوة ..

- مش حلوة ؟!!!!

- حضرتك فظيعه ... حلوة فرم !

- يعنى أيه حلوة ( فرم ) ؟!

- دى الدرجة اللى بعد (( طحن )) !

- أه !

قلتها وانا أهم واقفه , واتابع :

- طيب استأذن انا بقى .....

كاد يركع على ركبتيه , وهو يستعطفنى :

- ليه بس يا نانى هانم .. أنا اسف لو كنت ضايقتك .....

تأملته قليلاً , ثم قلت بغموض :

- خسارة أنك متجوز يا أستاذ متولى !

أصطبغ وجهه بالدم حتى صار لونه كعرف الديك وهو يهتف فى حماس :

- قصدك كنت متجوز !

صدمتنى أجابته , ولكن تمالكت نفسى , وانا اسأله فى لهجة حاولت أن أكسبها صفة الأغراء :

- يعنى أيه كنت ؟!

- يعنى هطلقها ... ح اطلقها بالتلاته !

- عشان ايه ؟

- عشانك يا نانى هانم ... أنا وقعت فى حبك قبل ما أفتحلك الباب ! قلت من تحت لسانى :

- لكن نانا صاحبتى :

رد بسرعه :

- دى مش مقامك يا نانى هانم .. دى لو مشيت معاكى فى الشارع ممكت ( تشبهك ) لم استطع السيطرة على أعصابى عند هذا الحد , فخلعت حذائى الدقيق وهبطت به على راسه وانا اصيح :

- تشبهنى يا خاين ......

صرخ وهو يمسك برأسه .

- حلمك عليا يا ست هانم ... انا ممكن ابيع الدنيا كلها عشانك ..

صرخت بلهجة يعرفها جيداً :

- تبيع الدنيا عشان مين يا عرّة الرجالة .. انا نانا ... نانا مراتك .....!

ظل ينظر الى كالمخبول , وهو يحاول تصديق ما سمعته اذناه , ويحاول تكذيب عينه ..

=============

بعد أن هدأت الأمور , كان يجلس تحت قدمى كالطفل , ويتحسس الجرح الذى فى راسه باسى , ويقول :

- رغم غن كعب جذمتك خرم راسى , بس على قلبى زى العسل , سألته فى أستغراب :

- أد كده بتحبنى يا متولى ؟

رد وهو يقبل أناملى الرقيقة :

- انا مش بحبك بس ... انا بقيت مجنون بالتراب اللى بتمشى عليه !

- والفيديو كليب ؟

- طالق بالتلاته ..!

- والاهانات .....

ردّى لى كل الأهانات اللى فاتت ... أنا مستعد ! لأن قلبى رقيق , وشديد الطيبه , فقد أنحنيت على رأسه قبلتها , و أتمتم :

- ما عاش اللى يهينك يا حبيبى ...

وستمر لحظات الصفاء , وها انا اهمس فى نفسى :

ينصررر دييييينك يا أستاااااذ خليييييييفه ( أأاقصد يا دكتور ) .

النهاية

0 comments: