Wednesday, May 12, 2010

فضفضة زوجات البخلاء









من النماذج الشهيرة في مجتمعاتنا والتي كثيرًا ما نسمع الشكوى منها.. نموذج الرجل البخيل ونموذج المسرفة.. ومع ذلك فإن الواقع لا يعدم رجلاً مسرفاً وامرأة مقترة.. إلا أن نموذج الرجل البخيل حينما يشتد بخله تصبح المعاناة منه أشد من أية معاناة أخرى.. فبسببه تتألم الأسرة بالكامل وتتعذب.. والواقع ملئ بهذه النماذج إلا أن البحث عن نماذج صارخة متألمة فعلاً يعتبر مشكلة نرجو أن نوفق في الوصول إليها وتحليلها




إيمان عبد الرازق زوجة شابة تزوجت منذ أحد عشر عامًا وأنجبت من زوجها المحاسب ثلاثة أبناء.. تقول : أول ما خطبني زوجي خرجت معه فاشترى لي بعض الأشياء فسررت من ذلك لأني اعتبرتها هدايا ولكني فوجئت به يطلب مني نصف ثمنها.. فكتمت غيظي وأعطيت له ما طلب.. ومرة أخرى طلبت منه أن ندخل محلاً نشرب عصيرًا أو شيئًا من هذا القبيل فاعترض وقال المحلات غالية الثمن والأفضل أن نشرب عصيرًا من الشارع.. فتأكدت من بخله وشكوت لأهلي، إلا أنه برر لهم ذلك وحاول أن يصلح من أموره حتى تزوجنا، ففوجئت بما لم أكن أسمع عنه، إذا كسر مني كوب أو طبق يجعلني أدفع ثمنه، ثم يعطيني مبلغ مائة جنيه كسوة السنة كلها لي وللأولاد وهذا المبلغ ليس له أية قيمة فأضطر إلى أن أطلب من والدي وهو والحمد لله ميسور.. وإذا أعطاني والدي نقودًا يقاسمني فيها.. ويطلب مني أن أحضر كل تموين البيت من عند أهلي.. اللحوم والسمن والفول والعدس وكل شيء.. وفي العيد أرسل لي والدي لحمًا كثيرًا يكفينا نحن والجيران ولكني فوجئت بزوجي يقول لي كلمي والدتك في التليفون كي تجهز لنا الغذاء لنذهب فنجد غذاءنا جاهزًا.. قلت له : والدتي مريضة وأنت تعلم ذلك ثم إنهم أرسلوا لنا ما يكفينا.. فغضب غضبًا شديدًا

وفي النهاية تقول إيمان عبد الرازق : إن ما يؤلمني أن زوجي ثري وليس فقيرًا فعنده عمارة كاملة وسيارة ووظيفة ومحل تجاري



أما سلوى حواش فهي زوجة منذ ستة أعوام.. تحكي جانبًا آخر من جوانب البخل فتقول : فوجئت بأن زوجي حينما يشتري اللحم يقطعه قطعًا ويعد هذه القطع ويحسبها جيدًا خوفًا من أن آكل شيئًا من ورائه.. ثم فوجئت به يشتري قفلاً لجهاز التليفون حتى لا أتحدث فيه وبالتالي لا يدفع ثمن المكالمات.. وإذا اشترى فاكهة يشتري نصف كيلو فاكهة وعادة ما يأكل أكثر من نصفه وحده ويترك لنا أنا والأولاد أقل القليل.. ويدعي الفقر ويشكو من الحاجة.. ويحاول أن نزور أهلنا والأصدقاء في أوقات الغذاء ليأكل عندهم.. وكدت أصدق أنه فقير ثم فوجئت به يشتري سيارة ولكنه جعلها كالمعطلة فيمشي على قدميه ويتركها خوفًا من استهلاك البنزين. وإذا خرجنا نشتري شيئًا لأولادنا أجده يبحث عن بائعين متجولين يعرفهم ويعرفونه ويشتري ملابس سبق لبسها ولكنها تم غسلها وكيها



أما سعدية عبد البر فمتزوجة منذ عشرين عامًا ولديها خمسة من الأبناء تقول : زوجي بخيل لدرجة المرض.. وأنا أشفق عليه وأتصور أن الله قد أرسلني له كي أتحمله.. فمستحيل أن تتحمله إنسانة غيري



في بداية زواجنا اكتشفت أنه يلبس قميصًا وبنطلونًا واحدًا لا يغيرهما إلا بصعوبة ويرفض غسلهما حتى لا يبليا بسرعة وحتى يوفر ثمن مسحوق الغسيل، وحدث أن كان عندنا طعام ووجدت رائحته وطعمه قد تغير، فأردت أن أسكبه إلا أنه اعترض بشدة وأجبرنا على أكله حتى مرضنا.. فليس عندنا طعام يتم رميه ثم لا يسمح لنا بطهي نوعين من الطعام.. ولا يجتمع الأرز من نوع آخر.. والسلاطة والخضراوات من المحرمات.. لدرجة أنني أذهب أنا وأولادي لنأكل اللحم عند أهلي.. ثم مَنَّ الله علينا وسافرنا إلى دولة خليجية وعمل زوجي في وظيفة محترمة وعملت أنا كذلك واشتريت سيارة وذهبًا وبنى زوجي عمارة.. وحينما عدنا استولى على سيارتي وأجبرني على أن أبيع ذهبي.. وأنا أعلم أن رصيده في البنك قد تضخم ورغم هذه الأموال ازداد بخله لدرجة أن أولاده يكرهونه وأحاول أنا أن ألتمس له الأعذار أمامهم



وتضيف سعدية قائلة : إن قمة المأساة كانت في الخليج حينما أخبرني أن أذهب عند أحد أصدقائه لأرعى الأطفال حتى يعود الرجل وزوجته.. فذهبت بقلب ونية خالصة وهي أن أقدم جميلاً لهؤلاء الناس.. ولكني فوجئت بالسيدة عند عودتها تصيح في وجهي وتقول : لماذا لم تنظفي المنزل وتطهي الطعام وتغسلين ملابس الأبناء ؟ وفوجئت أن لهجتها ليست مطمئنة ثم تأكدت أن زوجي قد قبض ثمن ذلك. وأرسلني كخادمة.. وهذه نذالة وخسة منه فهو مدرس وأنا أخصائية اجتماعية.. وكانت صدمة قاسية وتجربة أليمة، أرسلت لأبي بعدها مباشرة فأرسل لي ثمن العودة وعدت وحدي وتركته يجمع الأموال التي لن يشبع منها أبداً



البخل يمسخ شخصية الإنسان

د.علي السواح أستاذ علم النفس يقول: البخل مرض صعب للغاية بل من أصعب الأمراض النفسية فهو يمسخ شخصية الإنسان.. ويتمكن البخل من نفس الإنسان حتى تصبح النفس هي الشحيحة بالخير وليست اليد هي الشحيحة بالمال.. فالبخل يتحقق فيه معنى المنع.. فيمنع الرجل ماله عن زوجته وأولاده فيعذبهم ويشقيهم في الوقت الذي يستطيع أن يسعدهم.. ولا نستطيع أن نصف رجلاً فقيرًا بأنه بخيل إلا إذا أعطيناه المال فكنزه ومنعه عن أهله.. ثم تنمو هذه الصفة في الإنسان حتى تدمره فتجعله لا يقدم خيرًا أو معروفًا أو إحسانًا لأحد.. وأنا أعرف إنسانًا ثريًا إذا سأله سائل لم يعطه وإذا أعطاه يعطيه القليل جدا في الوقت الذي يملك فيه الملايين



ولا يمكن أن يهب هذا البخيل لنجدة إنسان أو مساعدة محتاج لأنه تحول إلى كتلة من الشح.. والبخيل لا يشعر بنفسه أنه بخيل وإنما يتصور نفسه مدبرًا وحريصًا. والبخيل إنسان ليس له رغبات فلا يطمع في طعام جيد ولا في ثياب فاخر ولا أثاث وثير، وأحلامه كلها يؤجلها إلى المستقبل وعادة لا يأتي هذا المستقبل عليه أبدًا إلا وهو ميت.. ثم يفاجأ الناس أنه على فقره كان غنيًا

وهنا المسألة الحقيقية التي لا يعلمها البخيل عن نفسه، وهي أنه يشقى ويجمع المال ولا يسعد به وإنما يسعد به آخرون، ليس بالضرورة أن يكونوا أبناءه بل ربما سعد به من ليسوا أقاربه، وهنا يأتي المثل الشعبي المعروف (مال الكنزي للنزهي) ليصور المأساة.. فغالبًا ما يسلط الله على هذا المال الذي جمعه البخيل.. أناسًا ينفقون منه بلا ضابط ولا يعرفون له قيمة

وضابط الأمر هنا هو ألا يمنع الرجل حد الكفاية لمن يعول ويخرجهم من عالم الحرمان والكبت.. اللذان يولدان نفوسًا مريضة هي الأخرى وغير سوية.. وبعد أن يوفر لهم هذا الحد ويبعدهم عن الحاجة والحرمان له أن يدخر كما يشاء



حسن التربية ادخار واستثمار

الحاج مختار المنوفي فلاح من إحدى قرى محافظة كفر الشيخ يقول : لقد ورثت عن أبي قطعة أرض صغيرة بينما أعطى أبي معظم الأرض لأخي الأكبر.. وأخي هذا رجل كانز للمال، ورث الأرض بطريقة ظالمة، ثم زوجه أبي من ابنة أحد الأغنياء، وأصبح شرهًا على المال وشراء الأرض، يحرم أولاده من كل شيء في سبيل شراء الأرض لدرجة أنهم يعيشون في جوع دائم.. ملابسهم ممزقة، وحرمهم من التعليم، فهو لا يتصور أن يشتري لهم كتبًا وملابس وينفق عليهم في الجامعات. أما أنا فركزت كل اهتمامي على تعليم أولادي رغم قلة مواردي ورغم صغر قطعة الأرض الزراعية التي نعيش منها.. وكانت حاجة ابني الصغير في المدرسة مقدسة.. ومضت السنوات طويلة مُرَّة صعبة، ولكن في النهاية وجدت أبنائي الستة اثنان منهم تخرجا في كلية الطب وواحد في كلية الصيدلة وواحدة في الطب البيطري والأخرى في الهندسة والأخيرة في كلية العلوم.. وبارك الله لي في أخلاقهم.. وتخرج الكبير وأصبح يساعدني في الإنفاق على أخوته وبدأت الحياة تبتسم لنا.. أما أخي فكل أولاده غير متعلمين يعملون في الحقول رغم ما عندهم من أموال فهم جوعى لا يأكلون اللحم إلا قليلاً.. وبعد هذه الرحلة الطويلة الشاقة أرى أنني الفائز وكان استثماري في تربية أبنائي أعظم ألف مرة من هذا الجشع الذي يجعل صاحبه يعيش متألمًا جائعًا. وأبناء أخي ينظرون إلينا نظرة احترام وإعزاز وأبوهم يشعر بالغيرة والحسرة كلما رأى نجاح أبنائي


لماذا ذم الله البخيل؟

يقول د. عبد الودود شلبي إن الله ذم البخل فقال : [ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة]. وقال: [ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون] وكذلك ذمه رسول الله فقال: (لا يدخل الجنة بخيل). وقال: (خصلتان لا تجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق).. فالبخل حرام وهو تضييع وعدم رعاية لمن يعولهم الإنسان.. والبخيل إنسان قصير النظر لا يعلم أن رزق الله كبير.. ولا يعلم أن الله يعطي منفقًا خلفًا ويعطي ممسكًا تلفًا.. وقصير النظر لأنه لا يعلم أنه ربما يموت اليوم أو غدًا فلا ينفعه ماله، بل سيكون نقمة عليه وعذاب أليم. والبخيل يتعذب مرتين، مرة في الدنيا وهو يجمع المال ولا ينفقه ومرة في الآخرة وهو يكوى به في نار جهنم



أما د. مريم الداغستاني الأستاذة بجامعة الأزهر فتقول : إن البخيل حالة مرضية لا شك في ذلك.. ولهذا أعطى الإسلام لزوجة البخيل الحق في أن تنفق من ماله بدون إذنه وبدون أن يعرف بشرط أن يكون ذلك في حاجة أساسية ولا يكون ترفًا أو في حاجة كمالية.. فالإسلام يحفظ للأسرة حقها حتى لا يتسبب عائلها البخيل في أن يسومها سوء العذاب

0 comments: