Sunday, May 30, 2010

اضحك قبل الضحك ما يغلى



 


 




واحد بلدياتنا راح يبات هوا و المدام فى الهيلتون ليلة

تانى يوم الصبح بيطلب من موظف الاستقبال الحساب و دار بينهم هذا الحوار :



الرجل : الحساب كام من فضلك ؟

الموظف : 1000 جنيه بس يافندم

الرجل : ألف جنيه ليه يا أستاذ ... كتير قوى مبلغ ألف جنيه فى ليلة

دى كانت ليلة واحدة يا محترم



الموظف : أجرة المبيت فى الليلة بـ 400 جنيه

الرجل : طب و الـ 600 جنيه الباقيين ليه بقى إن شاء الله ؟؟

الموظف : عندك 100 جنيه أجرة الموظفين اللى بيشيلوا الشنط

سيادتك لما نزلت من التاكسى مش كان فيه شيالين بيشيلوا الشنظ منتظرينك ؟

الرجل : أما غريبة و الله ... بس أنا شيلت الشنطة بنفسى و ماحدش شالهالى

الموظف : ماهو كانوا موجودين قدام سعادتك .. ما ناديتش عليهم يشيلولك الشنطة ليه ؟؟



الموظف مستطرداً... هاكمل لحضرتك باقى المبلغ

عندك 50 جنيه إستعمال سجاجيد السجادة اللى من غرفة حضرتك للمطعم

الرجل : أنا ما مشيتش على سجاجيد أنا كنت بامشى على الحتة الفاضية اللى مش مغطياها السجادة

الموظف : ماهى السجادة كانت عند سعادتك .. ما مشيتش عليها ليه ؟؟



الموظف : و عندك 200 جنيه إستخدام حمام السباحة

الرجل : بس احنا ما نزلناش عومنا فى الحمام خالص .. هوا احنا وش عوم و مايوهات

الموظف : حضرتك حمام السباحة كان قدام سعادتك ما نزلتوش عومتوا ليه ؟؟



الموظف : و عندك 100 جنيه إستعمال التليفزيون و قنوات الدش و الريسيفر فى الأوضة

الرجل : دش ايه اللى انت جاى تقول عليه !

احنا ما شغلناش امبارح غير القناة الأولى و التانية .. هوا كان فيه دش !!

الموظف : قنوات الدش كلها كانت عند سعادتك ما اتفرجتش عليها ليه ؟



الموظف : و عندك 150 جنيه إستعمال سخان الميه اللى بالكهربا فى الأوضة

الرجل : الدنيا كانت حر أصلاًُ و ما أستعملناش السخان فى حاجة

الموظف : مالناش دعوة .. السخان كان عند سعادتك ما إستعملتوش ليه ؟؟

الرجل : أما شيىء سخيف قوى



انتظر الرجل لـ لحظات ثم أخرج له 400 جنيه فقط

الموظف : دول 400 جنيه بس



الرجل : الـ 600 جنيه الباقية حق ما بوست المدام بتاعتى

الموظف : ايه الكلام الفارغ ده ... حضرتك عاوز تجيبلى مصيبة

هوا أنا بوست المدام بتاعتك خالص و لا جيت جنبها !!

الرجل : ماكانت قدامك امبارح ما بوستهاش ليه ؟؟



Wednesday, May 19, 2010

معاهده كامب ديفيد






 
تمر هذه الايام الذكري الثلاثون لتوقيع اول اتفاقية بين دولة عربية والكيان الصهيوني وهي اتفاقية كامب ديفيد وفي هذه الذكري حبيت ان اعرض نص هذه الاتفاقية

ومن المعروف ان هذه الاتفاقية لاقت معارضة كبيرة من الشعب المصري ومن معظم الدول العربية

وانا كوني مصري فأري انها وبعد مرور 30 عام لم تفيدنا بأي شئ بل اضعفت مصر ولم نشهد بعد مرور 30 عام الرخاء والتنمية التي وعدنا بها الرئيس الراحل السادات بل فرطت مصر في دورها التاريخي واضعنا دماء الشهداء هدر

ومن المعروف او المتداول ان لهذه الاتفاقية العديد والعديد من الملاحق السرية ولكن وجود هذه الملاحق من عدمه امر في علم الله لا استطيع تأكيده او نفيه وان كانت كل الدلائل تشير الي وجود الكثيييييييير من البنود السرية لهذه الاتفاقية



واليكم نص الاتفاق المنشور



الاسم الرسمي : معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل واتفاق الحكم الذاتي في الضفة والقطاع، القاهرة

التاريخ 17 سبتمير, 1978







معاهدة السلام

بين جمهورية مصر العربية ودولة إسرائيل



أن حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة دولة إسرائيل

اقتناعا منهما بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط وفقا لقراري مجلس الأمن 242 و338

إذ تؤكدان من جديد التزامهما " بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في كامب ديفيد " ، المؤرخ في 17 سبتمبر 1978

ورغبة منهما في إنهاء حالة الحرب بينهما وإقامة سلام تستطيع فيه كل دولة في المنطقة أن تعيش في أمن

واقتناعا منهما بأن عقد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل يعتبر خطوة هامة في طريق السلام الشامل في المنطقة والتوصل إلى تسوية للنزاع العربي الإسرائيلي بكافة نواحيه

وإذ تدعوان الأطراف العربية الأخرى في النزاع إلى الاشتراك في عملية السلام مع إسرائيل على أساس مبادئ إطار السلام المشار إليها آنفا واسترشادا بها 

وإذ ترغبان أيضا في إنماء العلاقات الودية والتعاون بينهما وفقا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات الدولية في وقت السلم

قد اتفقتا على الأحكام التالية بمقتضى ممارستهما الحرة لسيادتهما من تنفيذ الإطار الخاص بعقد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل

المادة الأولى

1- تنتهي حالة الحرب بين الطرفين ويقام السلام بينهما عند تبادل وثائق التصديق على هذه المعاهدة

2- تسحب إسرائيل كافة قواتها المسلحة والمدنيين من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، كما هو وارد بالبروتوكول الملحق بهذه المعاهدة ( الملحق الأول ) وتستأنف مصر ممارسة سيادتها الكاملة على سيناء

3- عند إتمام الانسحاب المرحلي المنصوص عليه في الملحق الأول، يقيم الطرفان علاقات طبيعية وودية بينهما طبقا للمادة الثالثة ( فقرة 3 )



المادة الثانية

أن الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هي الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب كما هو واضح بالخريطة في الملحق الثاني وذلك دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزة. ويقر الطرفان بأن هذه الحدود مصونة لا تمس ويتعهد كل منهما احترام سلامة أراضي الطرف الآخر بما في ذلك مياهه الإقليمية ومجاله الجوي



المادة الثالثة

1- يطبق الطرفان فيما بينهما أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات بين الدول في وقت السلم، وبصفة خاصة

( أ ) يقر الطرفان ويحترم كل منهما سيادة الآخر وسلامة أراضيه واستقلاله السياسي.

( ب) يقر الطرفان ويحترم كل منهما حق الآخر في أن يعيش في سلام داخل حدوده الآمنه والمعترف بها

( ج ) يتعهد الطرفان بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها، أحدهما ضد الآخر على نحو مباشر أو غير مباشر، وبحل كافة المنازعات التي تنشأ بينهما بالوسائل السلمية

2 - يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على أراضيه ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر. كما يتعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم أو التحريض أو الإثارة أو المساعدة أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب العدوانية أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان. كما يتعهد بأن يكفل تقديم مرتكبي مثل هذه الأفعال للمحاكمه

3 - يتفق الطرفان على أن العلاقات الطبيعية التي ستقام بينهما ستضمن الاعتراف الكامل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية وإنهاء المقاطعة الاقتصادية والحواجز ذات الطابع المتميزة المفروضة ضد حرية انتقال الأفراد والسلع. كما يتعهد كل طرف بأن يكفل تمتع مواطني الطرف الآخر الخاضعين للاختصاص القضائي بكافة الضمانات القانونية وبوضع البروتوكول الملحق بهذه المعاهدة ( الملحق الثالث ) الطريقة التي يتعهد الطرفان بمقتضاها - بالتوصيل إلى إقامة هذه العلاقات وذلك بالتوازي مع تنفيذ الأحكام الأخرى لهذه المعاهدة



المادة الرابعة

1-بغية توفير الحد الأقصى للأمن لكلى الطرفين وذلك على أساس التبادل تقام ترتيبات أمن متفق عليها بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية أو الإسرائيلية وقوات أمم متحدة ومراقبين من الأمم المتحدة وهذه الترتيبات موضحة تفصيلا من حيث الطبيعة والتوقيت في الملحق الأول وكذلك أية ترتيبات أمن أخرى قد يوقع عليها الطرفان

 
2- يتفق الطرفان على تمركز أفراد الأمم المتحدة في المناطق الموضحة بالملحق الأول ويتفق الطرفان على ألا يطلبا سحب هؤلاء الأفراد وعلى أن سحب هؤلاء الأفراد لن يتم إلا بموافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بما في ذلك التصويت الإيجابي للأعضاء الخمسة الدائمين بالمجلس وذلك ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك

3- تنشأ لجنة مشتركة لتسهيل تنفيذ هذه المعاهدة وفقا لما هو منصوص عليه في الملحق الأول

4- يتم بناء على طلب أحد الطرفين إعادة النظر في ترتيبات الأمن المنصوص عليها في الفقرتين 1، 2 من هذه المادة وتعديلها باتفاق الطرفين



المادة الخامسة

1- تتمتع السفن الإسرائيلية والشحنات المتجهة من إسرائيل وإليها بحق المرور الحر في قناة السويس ومداخلها في كل من خليج السويس والبحر الأبيض المتوسط وفقا لأحكام اتفاقية القسطنطينية لعام 1888 المنطبقة على جميع الدول. كما يعامل رعايا إسرائيل وسفنها وشحناتها وكذلك الأشخاص والسفن والشحنات المتجهة من إسرائيل وإليها معاملة لا تتسم بالتميز في كافة الشئون المتعلقة باستخدام القناة

2 - يعتبر الطرفان أن مضيق تيران وخليج العقبة من الممرات المائية الدولية المفتوحة لكافة الدول دون عائق أو إيقاف لحرية الملاحة أو العبور الجوي. كما يحترم الطرفان حق كل منهما في الملاحة والعبور الجوي من وإلى أراضيه عبر مضيق تيران وخليج العقبة



المادة السادسة

1- لا تمس هذه المعاهدة ولا يجوز تفسيرها على نحو يمس بحقوق والتزامات الطرفين وفقا لميثاق الأمم المتحدة

2 - يتعهد الطرفان بأن ينفذا بحسن نيه التزاماتهما الناشئة عن هذه المعاهدة بصرف النظر عن أى فعل أو امتناع عن فعل من جانب طرف آخر وبشكل مستقل عن آية وثيقة خارج هذه المعاهدة

3- كما يتعهدان بأن يتخذا كافة التدابير اللازمة لكي تنطبق في علاقاتهما آحكام الاتفاقيات المتعددة الأطراف التي يكونان من أطرافها بما في ذلك تقديم الأخطار المناسب للأمن العام للأمم المتحدة وجهات الإيداع الآخرى لمثل هذه الاتفاقيات

4 - يتعهد الطرفان بعدم الدخول في آي التزامات يتعارض مع هذه المعاهدة

5 - مع مراعاة المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة يقر الطرفان بأنه في حالة وجود تناقض بين التزامات الأطراف بموجب هذه المعاهدة وأي من التزاماتهما الأخرى، فإن الالتزامات الناشئة عن هذه المعاهدة تكون ملزمة ونافذة



المادة السابعة

1- تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير هذه المعاهدة عن طريق المفاوضة

2 - إذا لم يتيسر حل هذه الخلافات عن طريق المفاوضة فتحل بالتوفيق أو تحال إلى التحكيم



المادة الثامنة

يتفق الطرفان على إنشاء لجنة مطالبات للتسوية المتبادلة لكافة المطالبات المالية



المادة التاسعة

1- تصبح هذه المعاهدة نافذة المفعول عند تبادل وثائق التصديق عليها

2- تحل هذه المعاهدة محل الاتفاق المعقود بين مصر وإسرائيل في سبتمبر 1975

3- تعد كافة البروتوكولات والملاحق والخرائط الملحقة بهذه المعاهدة جزءا لا يتجزأ منها

4- يتم إخطار الأمين العام للأمم المتحدة بهذه المعاهدة لتسجيلها وفقا لأحكام المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة

حررت في واشنطن د . ي . س في 26 مارس سنة 1979م، 27 ربيع الثاني سنة 1399هـ من ثلاث نسخ باللغات العربية والعبرية والإنجليزية، وتعتبر جميعها متساوية الحجية وفي حالة الخلاف في التفسير فيكون النص الإنجليزي هو الذي يعتد به



عن حكومة جمهورية مصر

محمد أنور السادات



عن حكومة دولة إسرائيل

مناحم، بيجين



شهد التوقيع

جيمي كارتر

رئيس الولايات المتحدة الأمريكية

الموقعين

الرئيس محمد انور السادات

ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن

والرئيس الأمريكي جيمي كارتر

الدول الأعضاء

جمهورية مصر العربية

اسرائيل

الولايات المتحدة الأمريكية



Friday, May 14, 2010

رفعت الجمال و ملحمه فى عشق الوطن










يبدأ رفعت في رواية قصة حياته، منذ مولده، في مدينة دمياط




في الأوَّل من يوليو 1927م، لأب  علي سليمان الجمّال، تاجر فحم بالجملة، وأم رتيبة علي أبو عوض، من أسرة راقية، تتحدَّث الإنجليزية والفرنسية، اللتين تعلمتهما في إحدى المدارس الخاص






وفي بداية مذكراته، يتحدَّث رفعت علي سليمان الجمَّال عن أخيه غير الشقيق سامي، وعن شقيقه لبيب ونزيهة، ويؤكِّد احترامه وتقديره الشديدين للأخ غير الشقيق سامي، الذي تولَّى شئون الأسرة كلها، بعد وفاة الأب عام 1936م، والذي كان مدرساً خصوصياً للغة الإنجليزية، لأخوي الملكة فريدة، مما يعني أنه كان يتمتَّع بمكانة محترمة للغاية






وفي مصر الجديدة، نشأ رفعت وترعرع، تحت رعاية سامي، الذي نقل الأسرة كلها إلى القاهرة بعد وفاة الوالد، والتحق رفعت هناك بمدرسة للتجارة المتوسِّطة، وهو في الرابعة عشرة من عمره، بناءً على ضغط الأسرة، التي رأت أن طبيعته غير المسؤولة، لن تساعده على النجاح في التعليم الجامعى






وفي مدرسته التجارية المتوسِّطة، انبهر رفعت بالبريطانيين، الذين كانوا يقاومون الجيوش النازية باستماتة، مما دفعه إلى التحدُّث بالإنجليزية، بلكنة بريطانية، كما تعلَّق كثيراً بأستاذه الباريسي، الذي علَّمه أن يتحدَّث الفرنسية بلكنة الفرنسيين، حتى أجاد اللغتين، وبرع في التحدُّث بهما، مما كان له أبلغ الأثر في مستقبله فيما بعد






وفي تلك الفترة أيضاً، كان للسينما سحر كبير، في نفوس الشباب، في كافة أنحاء العالم، مما جذب انتباه رفعت، وغرامه، وطموحه، إلى الحد الذي جعله يحلم بالعمل في السينما ذات يوم، حتى أنه، وأثناء رحلة مدرسية إلى ستوديوهات السينما، تسلَّل إلى حجرة الفنان بشارة واكيم، وراح يقلِّد أدواره، حتى ضبطه الممثل الكبير متلبساً، وراق له ما يفعله، فسأله عن اسمه وأسرته، ثم نصحه بالاهتمام بدارسته أوَّلاً، والعودة بعد الانتهاء منها، للبحث عن دور في عالم السينما






وفي ذلك اليوم، شعر رفعت الصبي بنشوة غامرة، وقرَّر أن يكمل دراسته، ليصبح ممثلاً






وفي بدايات عام 1943م، تزوَّجت شقيقته نزيهة من الملازم أوَّل أحمد شفيق، وانتقلت الأم إلى دكرنس، واستعد سامي للزواج من ابنة محرم فهيم، رئيس نقابة المحامين - آنذاك - وأصبح من الضروري أن ينتقل رفعت مع شقيقه لبيب، الذى أصبح محاسباً في بنك باركليز، إلى شقة أخرى، استأجرها لهما سامي، بالقرب من ميدان لاظوغلي






ووفقاً لمذكراته، التقى رفعت بالممثل بشارة واكيم مرة أخرى، في عام 1945م، فتذكَّره الرجل، ومنحه دوراً صغيراً في أحد أفلامه، لتتغيِّر بعدها حياته تماماً؛ فمع الزهو الذى شعر به، مع عرض الفيلم، على الرغم من صغر دوره، بدأ زملاء الدراسة يعاملونه كنجم سينمائي، وأحاطوه باهتمامهم، وأسئلتهم، وغيرتهم أيضاً، مما ضاعف من إحساسه بالثقة، وساعده على إنهاء دراسته، في صيف 1946م، ليعمل مرة أخرى، في أفلام الفنان بشارة واكيم، ويلتقي بأوَّل حب في حياته.. بيتي










وعلى الرغم من أن مذكرات رفعت تحمل اسم بيتي، التي وصفها بأنها راقصة شابة، مراهقة وطائشة، وتكبره بعام واحد، إلا أن بعض الآراء تعتقد أن المقصود هنا هو الراقصة كيتي، اليهودية الشابة، التي تورَّطت فيما بعد، مع شبكة جاسوسية أخرى، وفرَّت تحت جنح الظلام من مصر كلها، ولم تُسمع أخبارها بعدها قط






المهم أن رفعت لم يرتبط بالراقصة الشابة عاطفياً فحسب، وإنما جنسياً أيضاً، وانتقل للعيش معها، مما أثار غضب لبيب، وتسبَّب له في مشكلات عائلية عديدة، جعلته يتخلَّى فى النهاية عن بيتي، وعن العمل فى السينما، ليتقدَّم بطلب وظيفة لدى شركة بترول أجنبية، على ساحل البحر الأحمر، ويفوز بها بجدارة؛ بسبب إجادته للفرنسية والإنجليزية بطلاقة






ولقد نجح رفعت فى عمله إلى حد كبير، وبالذات لأنه يعمل في رأس غارب، على مسافة تقرب من مائتي كيلو متر، بعيداً عن القاهرة ، التي فر من مشاكله العديدة بها، ورفض بإصرار العودة إليها، عندما تم نقله إلى الفرع الرئيسي بها، كنوع من الترقية






ورفض رفعت الترقية، ورفض الوظيفة كلها، وتحيَّن فرصة لقائه برجل أعمال سكندري، ربطته به علاقة وثيقة أثناء عمله، ليطلب منه العمل لديه، ولينتقل بعدها بالفعل إلى الإسكندرية






وارتبط رفعت برجل الأعمال السكندري هذا ارتباطاً وثيقاً، وشعر في منزله بدفء الأسرة، الذي افتقده طويلاً، بل وخفق قلبه هناك بحب هدى، ابنة رجل الأعمال، الذي لم يعترض على نمو هذه العلاقة، بعد أن اعتبر أن رفعت بمثابة ابنه، الذي لم ينجبه أبداً






وكان من الممكن أن ينمو هذا الحب، ويزدهر، وينتهي بزواج، واستقرار، وأسرة بسيطة وسعيدة






ولكن القدر كان يدخر مفاجأة كبيرة لبطلنا، هي بالضبط ما رأيناه وتابعناه جميعاً، على شاشة التليفزيون، في المسلسل الشهير






مهمة متابعة، لفرع الشركة في القاهرة، تحوَّلت إلى عملية احتيال، من مدير الفرع الخبيث، وانتهت باتهام رفعت بالاختلاس والسرقة






وعلى الرغم من أن رجل الأعمال السكندري كان يدرك أن رفعت قد سقط في فخ محكم، إلا أنه اضطر لفصله من وظيفته، تجنباً لإجراء أية تحقيقات رسمية، في نفس الوقت الذي أوصى فيه بتعيينه كمساعد ضابط حسابات، على متن سفينة الشحن حورس






وأثناء عمله على السفينة، وتوقفها فى ليفربول البريطانية، التقى رفعت بالفاتنة جودي موريس، التى ذكَّرته بحبيبته السابقة بيتي، مما دفعه إلى الارتباط بها، ودفعها إلى التعلُّق به، حتى أنها حرضته على التظاهر بالإصابة بالتهاب الزائدة الدودية، حتى لا يرحل مع السفينة حورس، عندما يحين موعد مغادرتها لميناء ليفربول






وقضى رفعت بعض الوقت مع جودي بالفعل، بعد رحيل حورس، ولكنه لم يلبث أن سئم الأمر كله كعادته، فاستعاد عمله على سفينة الشحن، عند عودتها إلى ليفربول، وعاد إلى مصر، في مارس 1950، إلا أنه لم يلبث أن عمل على متن سفينة شحن فرنسية، سافر معها إلى مرسيليا، ثم هجرها إلى باريس، حيث أجاد اللغة الفرنسية إجادة تامة، واستثمرها فى إقامة بعض العلاقات النسائية هناك، والتي كان يرغب في استمرارها إلى الأبد، لولا أنه واجه خطر الطرد من البلاد؛ لأنه لم يكن يحمل تأشيرة إقامة رسمية






ومرة أخرى، وبتأشيرة زيارة قصيرة، سافر رفعت إلى بريطانيا، بحجة استشارة الطبيب، الذي أجرى له عملية الزائدة، واستقر ليعمل هناك في وكالة للسفريات، تحمل اسم سلتيك تور










وفي هذه المرة أيضاً، ومع النجاح الذي حققه في عمله، كان من الممكن أن يستقر رفعت في لندن، وأن يحصل على إقامة رسمية بها، بل وأن يصبح من كبار خبراء السياحة فيها، لولا أنه، وأثناء قيامه بعقد صفقة لحساب الشركة في نيويورك تلقَّى عرضاً من صاحب شركة أمريكية، بدا له مناسباً للغاية، فقبله على الفور، ودون تفكير، وقرَّر الإقامة في الولايات المتحدة الأمريكية لبعض الوقت، دون تأشيرة عمل رسمية، أو بطاقة ضمان اجتماعي خضراء






ولعل هذا أسوأ قرار اتخذه رفعت الجمَّال في حياته، أو أن القدر كان يدخر له بالفعل ذلك الدور، االذي صنع منه حالة فريدة في عالم الجاسوسية، ويدفعه إليه دفعاً بلا هوادة






فمنذ اتخذ قراره هذا، اضطربت حياة رفعت تماماً






إدارة الهجرة بدأت تطارده، وصاحب العمل تخلّى عنه، وتم وضع اسمه فى القائمة السوداء في أمريكا، مما اضطره للهرب إلى كندا، ومنها إلى فرانكفورت في ألمانيا، التي حصل على تأشيرة ترانزيت بها، باعتبارها مجرَّد محطة، للوصول إلى النمسا






ولكن عبثه أيضاً صنع له مشكلة ضخمة في فرانكفورت، حيث قضى ليلة واحدة، مع فاتنة شقراء، استيقظ ليجد نفسه بعدها دون نقود، ودون جواز سفر أيضاً






ففي تلك الفترة بالذات، كان الكثيرون من النازيين السابقين، يسعون للفرار من ألمانيا، ويشترون، في سبيل هذا، جوازات سفر أجنبية






ولقد اتهمه القنصل المصري هناك بأنه قد باع جواز سفره، ورفض أن يمنحه وثيقة سفر بدلاً منه، ثم لم تلبث الشرطة الألمانية أن ألقت القبض عليه، وتم سجنه لبعض الوقت، قبل أن يرحل قسراً، على متن أوَّل طائرة، عائداً إلى البلد الذي جاهد للابتعاد عنه






إلى مصر





مع عودة رفعت إلى مصر، بدون وظيفة، أو جواز سفر، وقد سبقه تقرير عما حدث له في فرانكفورت









وشكوك حول ما فعله بجواز سفره، بدت الصورة أمامه قاتمة إلى حد محبط، مما دفعه إلى حالة مؤسفة من اليأس والإحباط، لم تنته إلا مع ظهور فرصة جديدة، للعمل في شركة قناة السويس، تتناسب مع إتقانه للغات






ولكن الفرصة الجديدة كانت تحتاج إلى وثائق، وأوراق، وهوية






وهنا، بدأ رفعت يقتحم العالم السفلي، وتعرَّف على مزوِّر بارع، منحه جواز سفر باسم علي مصطفى، يحوي صورته، بدلاً من صورة صاحبه الأصلي.. وبهذا الاسم الجديد، عمل رفعت في شركة قناة السويس، وبدا له وكأن حالة الاستقرار قد بدأت






ولكن هيهات… لقد قامت ثورة يوليو1952م، وشعر البريطانيون بالقلق، بشأن المرحلة القادمة، وأدركوا أن المصريين يتعاطفون مع النظام الجديد، فشرعوا في مراجعة أوراقهم، ووثائق هوياتهم، مما استشعر معه رفعت الخطر، فقرَّر ترك العمل، في شركة قناة السويس، وحصل من ذلك المزوِّر على جواز سفر جديد، لصحفي سويسري، يُدعى تشارلز دينون






والمدهش أن رفعت قد قضى بعض الوقت، في أحد الفنادق الدولية الكبرى، منتحلاً شخصية دينون، دون أن ينكشف أمره لحظة واحدة، أو يُدرك مخلوق واحد، ممن يتعامل معهم يومياً، أنه ليس صحفياً، بل وليس حتى سويسرياً، بل مجرَّد شاب مصري، يحمل شيكات سياحية، قيمتها اثنا عشر ألف دولار أمريكي، هى نتاج عمله في شركة سلتيك تورز البريطانية، مما يثبت مدى براعته، وقدرته المدهشة على إقناع وخداع كل من حوله، وتمكُّنه المدهش من اللغات ولكناتها أيضاً






وبسبب بعض المتغيرات السياسية، في عام1953م، بدأت عملية مراجعة لأوراق الأجانب في مصر، مما اضطر رفعت إلى إنهاء إقامته في ذلك الفندق الدولي، الذى لم يُسدِّد فاتورته على الأرجح؛ لأنه قرَّر أن يغيِّر هويته مرة أخرى، وحصل بالفعل على جواز سفر جديد، باسم البريطانى دانيال كالدويل






وبأسلوب إيقاف السيارات الأوتوستوب، اتجه رفعت نحو حدود ليبيا، وقد وقر في نفسه أنه لم يعد أمامه سوى أن يغادر مصر كلها



ولقد سار كل شيء على ما يرام، حتى بلغ نقطة الحدود نفسها، وقدَّم للضابط البريطاني عندها جواز سفره البريطاني، بمنتهى الثقة والبساطة، وهو يتحدَّث معه بلكنة بريطانية صرفة






ولكن الأمور لم تكن تسير لصالحه هذه المرة






ففي ذلك الحين، كان الكثيرون من الجنود البريطانيين يفرون من وحداتهم في الإسكندرية، ويحاولون عبور الحدود إلى ليبيا، كما كان العشرات من اليهود يسعون لتهريب أموالهم، عبر الحدود نفسها، مما جعل الضابط البريطاني يطالبه بإفراغ كل ما تحويه جيوبه أمامه، فلم يتردَّد رفعت لحظة واحدة، وبدا شديد الهدوء والثقة، وهو يفرغ جيوبه أمام البريطاني، الذي التقط الشيكات السياحية، وفحصها في اهتمام بالغ، قبل أن يسأله عما يعنيه كون الشيكات محرَّرة لاسم رفعت الجمَّال، في حين أن جواز السفر يحمل اسم دانيال كالدويل






وهنا، ارتكب  رفعت  أكبر حماقة في حياته، عندما قال: إنه سيوقَّع تلك الشيكات باسم  رفعت الجمَّال ، مما اعتبره البريطاني بادرة شك، فألقى القبض عليه، وأعاده إلى  القاهرة  مع تقرير يشير إلى أنه لا يبدو مصرياً، أو حتى بريطانياً، وأنه على الأرجح دافيد أرنسون آخر






و دافيد أرنسون  هذا ضابط يهودي، كان مستشاراً للقائد التركي  جمال باشا  في  دمشق  يوماً ما، ضمن شبكة تجسُّس يهودية، انتشر أفرادها في الإمبراطورية العثمانية






ولكن سلطات التحقيق في  مصر  لم تكن لديها خلفية تاريخية مناسبة، لتستوعب هذا الأمر، لذا فقد اتهمت  رفعت  بأنه يهودي، يحمل اسم دافيد أرنسون، وجواز سفر باسم دانيال كالدويل، وشيكات سياحية باسم رفعت الجمَّال ، ولقد زاد هو الطين بلة -حسبما قال في مذكراته- عندما تحدَّث بالعربية، ليثبت التهمة على نفسه، مما جعلهم يرسلونه إلى  القاهرة ، وإلى  مصر الجديدة  بالتحديد؛ لأنها الجهة الوحيدة، التي عثروا فيها على اسم رفعت الجمَّال






إلى هنا، والمذكرات لم تبتعد كثيراً عن تلك الأحداث، التي تابعناها جميعاً، في المسلسل الشهير، على شاشة التليفزيون، فقد أعيد استجواب رفعت في قسم مصر الجديدة، وحار الكل في شأنه، وافترض بعض الجنود، والضباط، وحتى المساجين، أنه بالفعل يهودي مصري






وفجأة، زاره ذلك الرجل






وفي هذا الجزء بالتحديد، أعتقد أنه من الأفضل أن ننقل الحدث، كما رواه رفعت علي سليمان الجمَّال بنفسه، باعتباره أهم وأخطر نقطة تحوّل، في مسار حياته كلها، حيث يقول






رأيت في انتظاري رجلاً ضخم البنية، يوحى بالجدية، يرتدي ملابس مدنية، هادئ الصوت في ود حين يلقي أوامره






وجه كلامه للحارس الذى اصطحبني قائلاً






 يمكن أن تتركنا الآن وحدنا






واتجه ناحيتي وطلب مني الجلوس. جلست. وفي داخلي قلق حقيقي. يسيطر عليَّ مزاج عنيد وملل وضيق مما سيأتي، فقد سئمت وضقت ذرعاً من القيود التي وضعوني فيها. وعندما قدم لى الجالس قبالتي سيجارة ثنيت يدي في هدوء فانسلتا خارج القيد الحديد. تردد الرجل لحظة، ولكنه لم ينطق بشيء، ولم يستدع الحارس. فقط جلس خلف مكتبه، الذي أجلس قبالته، وقد رسم على شفتيه ابتسامة وهو يتطلع إلىَّ






قدّم لي نفسه قائلاً






 اسمي حسن حسني من البوليس السياسي






قفزت إلى رأسي علامة استفهام كبيرة: ما علاقتي أنا بالبوليس السياسي؟ إن المباحث الجنائية هي وحدها المسؤولة عن الجرائم التي يحاولون اتهامي بها






استطرد الرجل قائلاً






- لا أستطيع أن أخاطبك باسمك لأنني لا أعرف أي اسم أستخدم من أسمائك الثلاثة. يجب أن تعرف أن قضيتك صعبة جداً. ليس المسألة خطورة جرائمك، بل لأننا ببساطة لا نعرف من أنت. إن الثورة في بلدنا لا تزال حديثة عهد، بلا خبرة أو استعداد. ونحن لا نستطيع إصدار وثائق إثبات الشخصية للجميع لأننا لا نملك الوسائل اللازمة ولا العاملين اللازمين لذلك. وكما ترى فإنني صريح معك. وحيث إنك حتى هذه اللحظة مجرد مشتبه فيه، فالواجب يقضي بأن لا تبقى في الحجز أكثر من يومين. بعد هذا لابد من عرضك على قاض أو إطلاق سراحك. ولكن يجب أن نتحفظ عليك حتى تفصح لنا عن حقيقة هويتك. نحن في ثورة ولسنا على استعداد لتحمل أية أخطاء في هذه المرحلة






أنصت إليه بانتباه محاولاً تصور ما يرمى إليه. واستطرد قائلاً






- أود أن أغلق قضيتك. لا يوجد أي بلاغ عن سرقة جواز سفر بريطاني باسم دانييل كالدويل. ولا أستطيع أن أفسر كيف ظهر في ملفك أنك يهودي باسم ديفيد آرونسون. ثم إن رفعت الجمَّال لا توجد اتهامات ضده ولا أبلغ هو عن سرقة أى شيكات سياحية. سأدعك تخرج إلى حال سبيلك شريطة أن أعرف فقط من أنت على حقيقتك. والآن ما قولك؟






قلت له






- ألا تريد أن تخبرني لماذا أنت مهتم بي؟ واضح أنني لست هنا بسبب اتهام ما






وكان رده






 أنا معجب بك. إجابتك أسرع مما توقعت






تصورت أنه ما دام من البوليس السياسي، وهو ما أصدقه، فليس من المنطقي أن يعرفني باسمه مع أول اللقاء إلا إذا كان على يقين من أمري






كان البوليس السياسي في ذلك الوقت نوعاً من المخابرات. وعلى الرغم من ادعائه أنهم لا يملكون الإمكانيات إلا أنهم كانوا يعملون بدأب شديد






استطرد قائلاً






- أنا مهتم بك. فقد تأكد لنا أنك قمة في الذكاء والدهاء. لقد أثرت حيرة الرسميين إزاء الصور التي ظهرت عليها حتى الآن. قد تكون إنجليزياً أو يهودياً أو مصرياً. غير أن ما أثار اهتمامي كثيراً بشأنك هو أن أحد رجالنا الذين دسسناهم بينكم في حجز الإسكندرية أفاد بأن جميع النزلاء اليهود الآخرين اعتقدوا عن يقين أنك يهودي






دهشت للطريقة التي يعملون بها. لقد وصل بهم الأمر إلى حد وضع مخبرين داخل السجن للتجسس على الخارجين على القانون. وواصل حسن حسني حديثه قاصداً مباشرة إلى ما يرمي إليه فقال






- يجب التزام الحذر. أعداء الثورة في كل مكان ويريدون دفع مصر مرة ثانية إلى طريق التبعية للأجانب وكبار الملاك الزراعيين. بيد أن هذا موضوع آخر. فأنت كإنجليزي لا يعنيك هذا في كثير أو قليل. وأنا على يقين من أنك لا تضمر كراهية للشعب المصري






انفجرت فجأة قائلاً






 هذه إهانة أنا مصري، وحريص كل الحرص على مصر وشعبها






صحت وصرخت بأعلى صوتي لهذه الإهانة التي وجهها لي. وما أن انتهيت من ثورتي الغاضبة حتى أشعل سيجارة وابتسم ابتسامة المنتصر






وعرفت أنني وقعت







في مذكراته، وبقلمه، يواصل رفعت الجمّال  رواية تفاصيل مقابلته الأولى، لضابط البوليس السياسي، قائلاً






-عندئذ عرفت أنني وقعت في المصيدة التي نصبها لي. عرفت أنه انتصر عليّّ. فقد استفزني إلى أقصى الحدود ليجعلني أظهر على حقيقتي، واستطاع ببضع كلمات عن أعداء مصر أن يجعلني أكشف الستر عما أخفيته.






وهنا قال






رفعت  أنا فخور بك. أنت مصري أصيل. أطلب منك أن تخبرني شيئاً واحداً وبعدها سأعترف لك بالسبب في أنك هنا، وفي أني مهتم بك أشد الاهتمام. كيف نجحت في جعل اليهود يقبلونك كيهودي؟






أجبت قائلاً






- هذه قصة طويلة، وأنا واثق من أنك لا تريد سماعها






وكانت إجابته






 جرَّب. عندي وقت طويل






سألته






 وفيم يهمك هذا؟






قال هادئاً






-لأنني بحاجة إليك، وعندي عرض أريد أن أقترحه عليك






ربما كنت أنتظر هذه اللحظة. إذ سبق لي أن عشت أكاذيب كثيرة في حياتي، وبعد أن قضيت زمناً طويلاً وحدي مع أكاذيبي، أجدني مسروراً الآن إذ أبوح بالحقيقة إلى شخص ما. وهكذا شرعت أحكي لـ حسن حسني  كل شيء عني منذ البداية. كيف قابلت كثيرين من اليهود في ستوديوهات السينما، وكيف تمثلت سلوكهم وعاداتهم من منطلق الاهتمام بأن أصبح ممثلاً. وحكيت له عن الفترة التي قضيتها في إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ، ثم أخيراً في مصر . بسطت له كل شيء في صدق. إنني مجرد مهرج، ومشخصاتي عاش في التظاهر ومثل كل الأدوار التي دفعته إليها الضرورة ليبلغ ما يريد في حياته






بعد أن فرغت من كلامي اتسعت ابتسامة حسني أكثر مما كانت وقال لي






رفعت الجمَّال، أنت إنسان مذهل. لقد اكتسبت في سنوات قليلة خبرة أكبر بكثير مما اكتسبه شيوخ على مدى حياتهم. أنت بالضبط الشخص الذي أبحث عنه. يمكن أن نستفيد منك استفادة حقيقية






وكان سؤالي هذه المرة






 ما الذي تريدني من أجله؟






أجاب قائلاً






- كما قلت لك من قبل هناك مشكلات خارجية كثيرة تواجه مصر. وتوجد في مصر أيضاً رؤوس أموال ضخمة يجري تهريبها. والملاحظ أن كثيرين من الأجانب وخاصة اليهود هم الذين يتحايلون لتهريب رؤوس الأموال إلى خارج البلاد. يمكنهم تحويل مبالغ بسيطة فقط بشكل قانوني، غير أنهم نظموا فرقاً تخطط وتنظم لإخراج مبالغ ضخمة من مصر. واليهود هم الأكثر نشاطاً في هذا المجال. إن إسرائيل تأسست منذ خمس سنوات مضت، وهناك كميات ضخمة من الأموال تتجه إليها. ونحن ببساطة لا نستطيع تعقب حيلهم، ومن ثم فنحن نريد أن نغرس بينهم شخصاً ما، يكتسب ثقتهم ويطمئنون إليه وبذا يكتشف حيلهم في تهريب أموالهم إلى خارج البلاد، كما يكشف لنا عمن وراء ذلك كله. نريد أن نعرف كيف تعمل قنوات النقل التي يستخدمونها وكل شيء آخر له أهمية. وأنت الشخص المثالي لهذا العمل. الشخص الذي نزرعه وسطهم لابد وأن يكون يهودياً. ولقد استطعت إقناعهم بأنك كذلك. ما رأيك؟ هل أنت على استعداد لهذه المهمة؟






حدقت فيه كأنه نزل إليّ من السماء. لم أشعر بالاطمئنان، ولم تكن لديّ فكرة عما أنا مزمع عمله. أوضح لي أنني أفضل فرس رهان بالنسبة له. وأضاف أنهم سوف يتولون تدريبي، وإيجاد قصة جيدة الإحكام لتكون غطاء لي، ثم يضعونني وسط المجتمع اليهودي في الإسكندرية




سألته






 وماذا يعود عليَّ أنا من هذا؟






- سيتم محو ماضي رفعت الجمَّال تماماً، ويجري إسقاط جميع الإجراءات القضائية الأولية لإقامة الدعاوي ضدك بسبب جوازات السفر المزورة، والبيانات الشخصية عن علي مصطفى، وشارلز دينون ودانييل كالدويل، وأي أسماء أخرى سبق لك أن استعملتها، كما سيتم إسقاط أي اتهامات أخرى ضدك. وسوف تستعيد قيمة شيكاتك السياحية، أو تكتب بالاسم الذي تتخذه لنفسك وتعيش به كيهودي. هل نعقد الصفقة معاً؟






عدت لأسأله






 هل لي حق الاختيار؟






- من حيث المبدأ لك الخيار. فإذا كنت قد اعتدت على حياة السجن، فمن المؤكد أنك تستطيع اختيار هذا لأن السجن سيكون هو مكانك ومآلك زمناً طويلاً ما لم تسقط الاتهامات ضدك






 وكيف نبدأ إجراءاتنا من هنا إذا ما قبلت عرضك؟






- سنشرع في تدريبك على الفور. سيكون تدريباً مكثفاً ويحتاج إلى زمن طويل. وسوف تكون لك شخصية جديدة وتنسى ماضيك تماماً. وما أن توضع في مكانك الجديد حتى تغدو مسؤولاً عن نفسك. لن يكون لنا دور سوى دعمك بالضرورات، ولن نتدخل إلا إذا ساءت الأمور، أو أصبح الوضع خطراً






جلست في مكاني أفكر في الفرص المتاحة لي، مدركاً ألا خيار آخر أمامي إذا لم أشأ دخول السجن، لقد أوقع بي حسن حسنى  حيث أراد لي، ولا حيلة لي إزاء ذلك. وقفت وبسطت يدي لأصافحه موافقاً وأنا أقول له






 حسن، أظنك أوقعت بي حيث تريد لي أن أكون. إذن لنبدأ






أجاب وعلى شفتيه ابتسامة






 أنا سعيد جداً أن أسمع هذا منك






وبدأت فترة تدريب مكثف. شرحوا لي أهداف الثورة وفروع علم الاقتصاد، وتعلمت سر نجاح الشركات متعددة القوميات، وأساليب إخفاء الحقائق بالنسبة لمستحقات الضرائب، ووسائل تهريب الأموال، وتعلمت بالإضافة إلى ذلك عادات اليهود وسلوكياتهم. وتلقيت دروساً مكثفة في اللغة العبرية كما تعلمت تاريخ اليهود في مصر وأصول ديانتهم. وعرفت كيف أمايز بين اليهود الإشكانز والسفارد والشازيد . وحفظت عن ظهر قلب الشعائر اليهودية وعطلاتهم الدينية حتى أنني كنت أرددها وأنا نائم. وتدربت أيضاً على كيفية البقاء على قيد الحياة معتمداً على الطبيعة في حالة إذا ما اضطرتني الظروف إلى الاختفاء فترة من الزمن. وتدربت بعد هذا على جميع عادات الشرطة السرية للعمل بنجاح متخفياً. وأخيراً تقمصت شخصيتي الجديدة. وأصبحت منذ ذلك التاريخ جاك بيتون المولود في 23أغسطس عام1919 في المنصورة، من أب فرنسي وأم إيطالية. وأن أسرتي تعيش الآن في فرنسا بعد رحيلها عن مصر، وهي أسرة كانت لها مكانتها وميسورة الحال. وديانتي هي يهودي إشكنازي. وتسلمت وثائق تحمل اسمي الجديد والتواريخ الجديدة






هكذا ذكر رفعت الأمر، في مذكراته الشخصية






وهكذا انتهى رفعت الجمَّال رسمياً، ليولد جاك بيتون، الذي انتقل للعيش في الإسكندرية، ليقيم في حي يكثر به اليهود، ويحصل على وظيفة محترمة، في إحدى شركات التأمين






ورويداً رويداً بدأت ثقته في نفسه تزداد، وبدأ يتعايش كفرد من الطائفة اليهودية، التي قدمه إليها زميل الحجز السابق  ليفي سلامة ، والذي قضي معه بعض الوقت، عندما تم إلقاء القبض عليه، عند الحدود الليبية






وفي مذكراته هذه، يكشف لنا رفعت الجمَّال جانباً لم يتطرَّق إليه المسلسل التليفزيوني على نحو مباشر أبداً، إذ تباغتنا المفاجأة بأنه قد انضمّ، أثناء وجوده في الإسكندرية، إلى الوحدة اليهودية (131)، التي أنشأها الكولونيل اليهودي إفراهام دار، لحساب المخابرات الحربية الإسرائيلية أمان، والتي شرع بعض أفرادها في القيام بعمليات تخريبية، ضد بعض المنشآت الأمريكية والأجنبية، على نحو يجعلها تبدو كما لو أنها من صنع بعض المنظمات التحتية المصرية، فيما عرف بعدها باسم فضيحة لافون، نسبة إلى إسحق لافون، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك






وفي الوحدة (131)، كان رفعت الجمَّال زميلاً لعدد من الأسماء، التي أصبحت فيما بعد شديدة الأهمية والخطورة، في عالم المخابرات والجاسوسية، مثل مارسيل نينو، التي أقام علاقة معها لبعض الوقت، وماكس بينيت، وإيلي كوهين، ذلك الجاسوس الذي كاد يحتلّ منصباً شديد الحساسية والخطورة، بعد هذا بعدة سنوات، في الشقيقة سوريا وغيرهم






ومذكرات  رفعت ، في هذا الجزء بالذات، تبدو مدهشة بحق، إذ أنها تخالف كل ما قرأناه أو تابعناه، بشأن عملية سوزانا ، أو  فضيحة لافون؛ إذ أنها توحي بأن كل شيء كان تحت سيطرة جهاز مكافحة الجاسوسية منذ البداية، وأن  حسن حسني ومن بعده  علي غالي ، الذي تولَّى أمر  رفعت ، في مرحلة تالية، كانا يتابعان نشاط الوحدة (131) طوال الوقت، وأن معلومات رفعت  التي كان ينتزعها، من قلب الوحدة، كانت سبباً أساسياً في إحباط العملية كلها، وإلقاء القبض على كل المشتركين فيها





على الرغم من التعارض الواضح، في مذكراته، مع مانشر عن تفاصيل سقوط






جواسيس فضيحة لافون، فأنا -شخصياً- أكثر ميلاً لتصديق قصة رفعت، بل






وأعتقد أن الهدف من نشر الأمر، على نحو مختلف، كان حمايته بالدرجة الأولى






بعدما انتقل عمله من الشرطة والبوليس السياسي إلى عالم الجاسوسية، وتطوَّر






الهدف من وجوده، في مرحلة تالية من العملية






 131 ولقد تم إلقاء القبض على  رفعت  و إيلي كوهين ، كأفراد في الوحدة






 ثم أطلق سراحهما فيما بعد، لعدم وجود ما يدينهما، فاختفى بعدها  إيلي






في حين بقي رفعت، ليواصل الحياة لبعض الوقت، باسم جاك بيتون، الذي لم






يتطرَّق إليه الشك حتماً، بدليل أن الإسرائيليين قد اتهموا عضواً آخر، من الوحدة 131






بكشف أسرارها، وهو بول فرانك ، الذي حوكم بالفصل، فور عودته إلى إسرائيل






وصدر ضده الحكم بالسجن لاثني عشر عاماً






وحتى ذلك الحين، وكما يقول رفعت في مذكراته، كانت مهمته تقتصر على






التجسُّس على مجتمع اليهود في الإسكندرية ، ولكن عقب نجاح عملية الوحدة 131






تم استدعاؤه إلى القاهرة ، ليلتقي بضابط حالته الجديد علي غالي ، الذي واجهه






لأوَّل مرة بأنه قد نجح تماماً في مهمته، وأن الخطة ستتطوَّر، لتتم الاستفادة به أكثر






خارج الحدود، خاصة وأن سمعته، كفرد سابق في الوحدة  131 ، ستخدع






الوكالات اليهودية، وستدفعها للتعامل معه كبطل






وهنا أيضاً، أعتقد أنه من الأروع أن نقرأ تفاصيل تلك اللحظات الحاسمة من مذكرات رفعت





مباشرة، عندما يقول






مرة أخرى وجدت نفسي أقف عند نقطة تحول خطيرة في حياتي. لم أكن أتصور






أنني ما أزال مديناً لهم، ولكن الأمر كان شديد الحساسية عندما يتعلق بجهاز المخابرات




فمن ناحية روعتني فكرة الذهاب إلى قلب عرين الأسد. فليس ثمة مكان للاختباء






في إسرائيل ، وإذا قبض عليَّ هناك فسوف يسدل الستار عليَّ نهائياً






والمعروف أن إسرائيل لا تضيع وقتاً مع العملاء الأجانب. يستجوبونهم ثم يقتلونهم






ولست مشوقاً إلى ذلك. ولكني كنت أصبحت راسخ القدمين في الدور الذي تقمصته






كما لو كنت أمثل دوراً في السينما، وكنت قد أحببت قيامي بدور جاك بيتون






أحببت اللعبة، والفارق الوحيد هذه المرة هو أن المسرح الذي سأؤدي عليه دوري






هو العالم باتساعه، وموضوع الرواية هو الجاسوسية الدولية. وقلت في نفسي أي






عرض مسرحي مذهل هذا؟... لقد اعتدت دائماً وبصورة ما أن أكون مغامراً مقامراً






وأحببت مذاق المخاطرة. وتدبرت أمري في إطار هذه الأفكار، وتبين لي أن لا خيار أمامي






سوف أؤدي أفضل أدوار حياتي لأواجه خيارين في نهاية المطاف: إما أن يقبض






عليَّ وأستجوب وأشنق، أو أن أنجح في أداء الدور وأستحق عليه جائزة أوسكار






وكنت مقتنعاً أيضاً بأني أعمل الصواب من أجل مصر وشعبها






قلت لغالي






 إذا كنت تعتقد أنني قادر على أداء المهمة فإني لها






ثم كان السؤال الثاني






 كيف نبدأ من هنا؟






 سوف يجري تدريبك على العمل على الساحة الدولية. كل ما تتعلمه






يجب أن يسري في دمك. هذا هو سر اللعبة. أنت مخرج عرضك المسرحي






وإما أن تنجح فيه بصورة كاملة، أو تواجه الهلاك






تصافحنا علامة الموافقة وبدأت جولة تدريب مكثف. ودرست تاريخ اليهود الأوروبيين






والصهيونية وموجات الهجرة إلى فلسطين. تعلمت كل شيء عن الأحزاب السياسية






في إسرائيل والنقابات والهستدروت أو اتحاد العمال، والاقتصاد والجغرافيا






والطوبوغرافيا وتركيب إسرائيل. وأصبحت خبيراً بأبرز شخصيات إسرائيل






في السياسة والجيش والاقتصاد عن طريق دراسة أفلام نشرات الأخبار الأسبوعية






وأعقب هذا تدريب على القتال في حالات الاشتباك المتلاحم والكر والفر






والتصوير بآلات تصوير دقيقة جداً، وتحميض الأفلام وحل شفرات رسائل أجهزة






الاستخبارات والكتابة بالحبر السري، ودراسة سريعة عن تشغيل الراديو، وفروع






وأنماط أجهزة المخابرات والرتب والشارات العسكرية. وكذلك الأسلحة الصغيرة






وصناعة القنابل والقنابل الموقوتة. وانصب اهتمام كبير على تعلم الديانة الموسوية






واللغة العبرية. واعتدت أن أستمع كل يوم ولمدة ساعات إلى راديو إسرائيل






بل وعمدت إلى تعميق لهجتي المصرية في نطق العبرية لأنني في نهاية الأمر مولود في مصر






بعد التدريب تحددت لي مهنة. تقرر أن أكون وكيل مكتب سفريات حيث إن هذا






سيسمح لي بالدخول إلى إسرائيل والخروج منها بسهولة، وتقرر أن أؤدي اللعبة






لأطول مدة ممكنة. لم يكن ثمة حد زمني، وكان لي الخيار بأن أترك الأمر كله






إذا سارت الأمور في طريق خطر. وسوف نرى إلى أين تمضي بنا الأمور. وقيل لي






إنني أستطيع بعد ذلك العودة إلى مصر وأستعيد شخصيتي الحقيقية






وتسلمت مبلغ 3000 دولار أمريكي لأبدأ عملي وحياتي في إسرائيل





وفي يونيو1956 استقللت سفينة متجهة إلى نابولي قاصداً في الأصل أرض الميعاد






ودعت مصر دون أن أدري ما سوف يأتي به المستقبل






واعتباراً من هذه المرحلة، تنقلنا مذكرات رفعت الجمًّال، التي تركها لزوجته بعد وفاته






إلى تلك المرحلة الجديدة تماماً من حياته، والتي سافر خلالها إلى نابولي






حيث التقطته الوكالة اليهودية هناك، وبذلت جهدها لإقناعه بالسفر إلى إسرائيل






أرض الميعاد، كما كانت تقول دعاياتهم بمنتهى الإلحاح أيامها






وفي هذا الجزء بالذات، وربما دون أن يدري رفعت نفسه، تتبدّى عبقرية العملية كلها






إذ لم يبد هو أية لهفة، على السفر إلى إسرائيل، إلا أنه لم يمانع بشدة في الوقت نفسه






وإنما جعلهم يعتقدون أنهم قد نجحوا في إقناعه، وتركهم يدفعونه إلى ظهر سفينة






حملته إلى إسرائيل، التي استقبله فيها رجل مخابرات يُدعى سام شواب ، واستجوبه






بعض الوقت، ثم منحه تأشيرة إقامة، وجواز سفر إسرائيلي فيما بعد، مما يؤكِّد






أن عملية المخابرات المصرية قد نجحت بالفعل






وبمنتهى القوة






ويتحدَّث رفعت الجمَّال ، في تلك المرحلة من مذكراته، عن إنشائه لمكتب سفريات






سي تورز)، في 2 شارع برينر في تل أبيب ، وصداقته مع موشي دايان)






ومحاولات  سام شوب ، التقرُّب إليه، ودفعه الفاتنة  راكيل إبشتين  في طريقه،






ومحاولاته هو لاكتساب ثقة  دايان  و شوب ، و عزرا وايزمان ، ثم ينتقل بنا فجأة






إلى حدث شديد الأهمية والخطورة






فمع اقترابه من مواقع الأحداث، علم رفعت بأمر العدوان الثلاثي قبل وقوعه






وعرف الكثير من تفاصيله، وسافر إلى روما وميلانو بالفعل، بعد ترتيبات دقيقة؛






ليلتقي برئيسه، ويخبره بكل ما لديه






ولكن أحداً لم يصدّق، أو يقتنع بأهمية وخطورة تلك المعلومات، التي أتى بها رفعت، من قلب إسرائيل






ووقع العدوان الثلاثي






وحدث ما حدث






وتساءل رفعت: لماذا لم يصدق أحدهم تحذيره





ولكنه لم يحصل على الجواب أبداً






وفي عام 1957م، فوجئ  رفعت  بزيارة من  إيلي كوهين ، زميله السابق، في الوحدة 131، الذي سعى إليه، واستعاد صداقته معه، قبل أن يبدأ مهمته، التي سافر من أجلها إلى أمريكا الجنوبية، للاندماج بمجتمع المهاجرين السوريين






تمهيداً لزرعه في  سوريا  فيما بعد، والتي ساهم رفعت  نفسه في كشف أمرها






عندما أبلغ المخابرات المصرية، أن صورة  كامل أمين ثابت ، التي نشرتها الصحف






المصرية والسورية، إنما هي لزميله السابق، الإسرائيلي  إيلي حوفي كوهين






وفي مذكراته يمضي رفعت في سرد حياته في تل أبيب ، ويروي قصة اختيار






مكتبه السياحي لإقامة الجسر الجوي؛ لنقل يهود  بيروت  إلى  إسرائيل ، مما يؤكِّد






ثقة السلطات الإسرائيلية البالغة فيه، ويمرّ خلال هذا برواية رحلته السرية إلى مصر






في صيف 1958م، وبقصة الرحلة، التي أهداها إلى إيلي كوهين  وزوجته، بمناسبة






زفافهما، ثم يتوقَّف بعض الوقت؛ ليروي صداقاته وعلاقاته الوثيقة، بقادة إسرائيل






في ذلك الوقت، ليقول في هذه الفقرة: كثفت اتصالاتي بكل من  ديان ، و وايزمان






و شواب ، ونظراً لصلة  ديان  الوثيقة بـ بن جوريون ، فقد استطعت أن أكسب ثقة






 بن جوريون أيضاً، وأصبحت عضواً في مجموعة الشباب المحيطين به، إذ كان يحب






أن يحيط به الشباب ويستمع لآرائهم وأفكارهم. أما  جولدا مائير  فكانت تتميَّز بأنها






امرأة عطوف، وأبدت وداً شديداً نحوي، وكثيراً ما تساءلت بيني وبين نفسي ماذا






عساهم أن يقولوا عني لو اكتشفوا حقيقتي وعرفوا أني استخدمتهم






والواضح أيضاً، في هذه المرحلة من المذكرات، أن الفترة من 1959م، وحتى 1963م






لم تحمل متغيرات قوية، تستحق الإشارة إليها، إذ قفز رفعت بالأحداث دفعة واحدة






ليروي كيف أبلغ  مصر  باعتزام إسرائيل إجراء تجارب نووية، واختبار بعض الأسلحة






التكنولوجية الحديثة، أثناء لقائه برئيسه  علي غالي  في  ميلانو ، قبل أن يطرح أوَّل مطلب له، منذ فترة طويله






أوّل وأخطر مطلب






على الإطلاق






طوال فترة عمله، في قلب إسرائيل، لحساب المخابرات المصرية، لم يتقدّم رفعت الجمّال






بمطلب واحد للمسؤولين






حتى كان مطلبه هذا





أن يعود إلى مصر ، ويدفن إلى الأبد شخصية  جاك بيتون






حدث هذا في يونيو1963م، قبل لقائه الأوَّل بزوجته فيما بعد  فلتراود ، أي أن رغبته






هذه كانت تعكس حالة الإجهاد التي وصل إليها، ورغبته الحقيقية في استعادة






رفعت الجمَّال، بهويته، وجنسيته






وديانته أيضاً






ولكن العودة لم تكن بالبساطة التي توقَّعها رفعت ؛ إذ لم يكن من السهل بالتأكيد






أن يختفي جاك بيتون هكذا فجأة، من قلب إسرائيل ، ليظهر رفعت الجمَّال مرة






أخرى في القاهرة ؛ فهذا كفيل بكشف كل ما فعله طوال حياته






ليس هذا فحسب، ولكن ستكشف -أيضا- شبكات التجسُّس التي تركها خلفه أيضاً






وفي عالم المخابرات تعتبر هذه كارثة






وبكل المقاييس





كان عليه –إذن- أن يحتفظ بشخصية جاك بيتون لبعض الوقت، وإن كان باستطاعته






أن يغادر إسرائيل ، ويرحل إلى بلد ثالث، بحجة العمل أو الارتباط، حتى يفقد








الموساد اهتمامه به، بعد فترة من الوقت، مما يسمح له بالعودة إلى مصر






وعند هذا الحد، تمتزج، على نحو ما، مذكرات جاك بيتون  بمذكرات زوجته فلتراود






فيروي هو نفس ما روته هي من قبل، حول لقائهما، في أكتوبر 1963م، ووقوع كل






منهما في حب الآخر، وزواجهما






ولكن هناك فقرة مهمة جداً، في المذكرات التي تركها (رفعت) لزوجته بعد وفاته






تستحق حتماً أن نتوقَّف عندها، وأن ننقلها هنا نصاً؛ لأنها تؤكِّد نجاحه البالغ






وعدنا إلى إسرائيل في أوائل يناير1964م، قدمتك إلى "جولدا مائير"، وأحبتك كثيراً






ثم اصطحبتك في زيارة إلى "بن جوريون"، في الكيبوتز الخاص به. رافقنا  ديان






في هذه الزيارة، وبعد أن استقبلك "بن جوريون" العجوز مرحباً، طلبت منك التجول






في الكيبوتز إلى أن نفرغ من حديثنا أنا و"بن جوريون" و"ديان". لم يتناول نقاشنا






شيئاً له أهمية كبيرة، ولكن كان لابد وأن أكون متابعاً لمسرح الأحداث






إلى هذا الحد إذن كان رفعت الجمّال  متوغّلاً، في قلب عالم الكبار






في إسرائيل






أي نجاح يمكن أن يفوق هذا






والنقطة المهمة جداً، التي ينبغي التوقف عندها، في هذه المذكرات أيضاً، هي






إصرار رفعت الشديد، على ألا يولد ابنه في إسرائيل ، وعلى أن تسافر زوجته






لتنجبه في ألمانيا ، حتى لا يحمل إلى الأبد الجنسية الإسرائيلية






ورويداً رويداً، راح رفعت  يتحلَّل من أعماله والتزاماته في إسرائيل ، ويقوي روابطه






وأعماله في  ألمانيا ، وبدأ في دراسة كل ما يتعلَّق بالنفط، الذي قرَّر أن يجعل من






تجارته مصدر رزقه الأساسي، خاصة وأنه قد تقدَّم بطلب للحصول على الجنسية الألمانية






التي ستتيح له السفر بيسر أكثر، ودون تعقيدات أمنية عديدة، إلى مصر ، في أي






وقت يشاء، كرجل أعمال ألماني، وتاجر نفط عالمي






وفي فقرة مؤسفة، يؤكِّد رفعت أنه، باتصالاته التي لم تكن قد انقطعت بعد






بالمسؤولين الإسرائيليين، أمكنه معرفة أن إسرائيل تستعد للهجوم على مصر






في يونيو1967م، وأنه أبلغ المسؤولين في مصر بهذا، إلا أن أحداً لم يأخذ






معلوماته مأخذ الجد، نظراً لوجود معلومات أخرى






تشير إلى أن الضربة ستنصب على سوريا وحدها






ووقعت نكسة1967






وانهزمنا هزيمة منكرة






وعلى الرغم من حالة الإحباط وخيبة الأمل، التي أصابته بسبب هذا، واصل رفعت






ارتباطه بالمخابرات المصرية، وظلّ يرسل إليها كل ما يقع تحت يديه من معلومات






من خلال صداقته مع رجل المخابرات الإسرائيلي سام شواب ، حتى توافرت لديه






فجأة بعض المعلومات بالغة الخطورة، (لم يفصح عنها أيضاً في مذكراته)، والتي






أرسلها فوراً إلى مصر ، وصدقها المصريون، وكان لها تأثير واضح، في حرب 1973م






وبعد الحرب والانتصار، عاد (رفعت) يطلب العودة إلى (مصر)، ولكن المخابرات






المصرية أخبرته أنه لا يستطيع العودة مع أسرته، إذ يستحيل أن تتم حماية الأسرة






كلها طوال الوقت، من أية محاولات انتقامية إسرائيلية، إذا ما انكشف أمره






كان على الطير أن يواصل التحليق إذن، بعيداً عن وطنه، وأن يحمل حتى آخر






العمر جنسية جاك بيتون ، اليهودي الإسرائيلي السابق، ورجل الأعمال الألماني






المحترم، الذي نجح في إقامة مشروع نفطي كبير في مصر ، ظلّ يزهو به، حتى






آخر لحظة في حياته، ويروي في مذكراته كيف حصل على امتياز التنقيب عن البترول






المصري، في عام 1977م، ليعود أخيراً إلى  مصر ، التي عشق ترابها






وفعل من أجلها كل ما فعله






وفي نهاية مذكراته، يتحدَّث  رفعت الجمَّال  عن إصابته بمرض خبيث






وتلقيه العلاج الكيمائي، في أكتوبر1981م، وتفاقم حالته، ثم يبدي ارتياحه






لأن العمر قد أمهله، حتى أكمل مذكراته، وأن زوجته وابنه دانيال






وابنته بالتبني أندريا سيعرفون يوماً ما حقيقته، وهويته، وطبيعة الدور






البطولي الذي عاش فيه عمره كله، من أجل وطنه






من أجل مصر








و ننتقل من مذكراته الى ملخص لما بعد ذلك

لم يتوقع احد تلك العاصفة التى هبت داخل اسرائيل بحثا وسعيا لمعرفة حقيقة الشخصية التى اعلنت المخابرات العامة المصرية عام 1988 بانها قد عاشت داخل اسرائيل لسنوات طوال امدت خلالها جهاز المخابرات المصرى بمعلومات مهمة كما انها شكلت وجندت داخل المجتمع الاسرائيلى نفسه اكبر شبكه تجسس شهدتها منطقة الشرق الاوسط

وكان اسم (رأفت الهجان) هو الاسم المعلن البديل للمواطن المصرى المسلم (رفعت على سليمان الجمال) ابن دمياط والذى ارتحل الى اسرائيل بتكليف من المخابرات المصرية عام 1954 حاملا روحه على كفة

وحقق الجمال نجاحات باهرة وبه استطاعت المخابرات المصرية ان تثبت عمليا كذب اسطورة التالق التى تدعيها اسرائيل لجهاز مخابراتها

وفور اعلان القاهرة لهذة العملية المذهلة طالبت الصحفية الاسرائيلية "سمادر بيرى" - فى موضوع نشرته بجريدة يدعوت احرونوت الاسرائيلية - آيسر هريتيل مدير المخابرات الاسرائيلية فى هذا الوقت ان ينفى ما اعلنته المخابرات المصرية واكدت لمدير المخابرات الاسرائيلية ان هذة المعلومات التى اعلنتها القاهرة تثبت تفوق المخابرات العربية المصرية فى اشهر عملية تجسس داخل اسرائيل ولمدة تقرب من العشرين عاما

واستهدفت الصحفية من نشر هذا الموضوع عرض الحقيقة كاملة ، حقيقة ذلك الرجل الذى عاش بينهم وزود بلاده بمعلومات خطيرة منها موعد حرب يونيو 1967 وكان له دور فعال للغاية فى الاعداد لحرب اكتوبر 1973 بعد ان زود مصر بادق التفاصيل عن خط برليف ، كما انه كون امبراطورية سياحية داخل اسرائيل ولم يكشف احد امره

وجاء الرد الرسمى من جانب المخابرات الاسرائيلية : ان هذة المعلومات التى اعلنت عنها المخابرات المصرية ما هى الا نسج خيال وروايه بالغة التعقيد .. وان على المصريين ان يفخروا بنجاحهم



وبينما يلهث الكل وراء اى معلومة للتأكد من الحقيقة عن هذا المجهول المقيد فى السجلات الاسرائيلية باسم "جاك بيتون" بصفته اسرائيلى ويهودى ، نشرت صحيفة "الجيروزاليم بوست" الاسرائيلية موضوعا موسعا بعد ان وصلت الى الدكتور "ايميرى فريد" شريك الجمال فى شركتة السياحية "سي تورز" وبعد ان عرضوا علية صورة الجمال التى نشرتها القاهرة شعر بالذهول واكد انها لشريكة "جاك بيتون" الذى شاركه لمدة سبع سنوات وانه كان بجواره مع جمع كبير من صفوة المجتمع الاسرائيلى عندما رشح لعضوية الكنيست الاسرائيلى ممثلا لحزب "مباى" الاسرائيلى "حزب عمال الارض" ولكنه لم يرغب فى ذلك



وفور ان فجرت صحيفة "الجيروزاليم بوست" حقيقة الجاسوس المصرى وانه شخصية حقيقية وليست من نسج خيال المصريين كما ادعى مدير الموساد حصلت الصحيفة ايضا على بيانات رسمية من السجلات الاسرائيلية مفادها ان "جاك بيتون" يهودى مصرى من مواليد المنصورة عام 1919 وصل الى اسرائيل عام 1955 وغادرها للمرة الاخيرة عام 1973

واضافت الصحيفة بعد التحرى ان "جاك بيتون" او "رفعت الجمال" رجل الاعمال الاسرائيلى استطاع ان ينشئ علاقات صداقه مع عديد من القيادات فى اسرائيل منها "جولدا مائير" رئيسة الوزراء ، و"موشى ديان" وزير الدفاع



وخلصت الصحيفة الى حقيقة ليس بها ادنى شك

"جاك بيتون" ما هو الا رجل مصرى مسلم دفعت به المخابرات المصرية الى اسرائيل واسمه الحقيقى "رفعت على سليمان الجمال" من ابناء مدينة دمياط بمصر

وفور هذة المعلومات الدقيقة التقطت الصحف العالمية اطراف الخيط فقالت صحيفة "الاوبزرفر" البريطانية الواسعة الانتشار : ان "الجمال" عبقرية مصرية استطاع ان يحقق اهداف بلاده .. ونجح فى ان يعود الى وطنه سالما ويموت طبيعيا على فراشه


 
ولد رفعت الجمال فى الأول من يوليو 1927 بمدينة طنطا وكان الأبن الأصغر للحاج على سليمان الجمال تاجر الفحم وكان له اخوين اشقاء هما لبيب ونزيهه اضافة الى اخ غير شقيق هو سامى، وكان والده يحمل لقب (أفندي) اما والدته فكانت من أسرة عريقة وكانت تتحدث الإنجليزية والفرنسية



لم ينعم "رفعت" بوالده طويلا اذ توفى والده وهو بعد فى التاسعة من عمره عام 1936 وكانت شقيقته نزيهه فى الحادية عشر ولبيب فى الثالثة عشر، اما سامي فكان فى الثالثة والعشرين، ولم يكن لهم اى مصدر للرزق فاتفق الاعمام والعمات على حل كان منطقيا فى هذة الظروف وهو ان يلتحق الصبيين (رفعت ولبيب) بورشة للنجارة حيث كانت مدينة دمياط منذ القدم وحتى الان مشهورة بصناعة الاخشاب الا ان الشقيق الاكبر سامى رفض الفكرة من اساسها واقترح ان ينتقل الاولاد الثلاثة وامهم معه الى القاهرة ليتعلموا فى مدارسها ويكفل لهم راتبه المتواضع حياه كريمة، وكان سامي مدرسا للغة الإنجليزية وكان مسئولا عن تعليم أخوة الملكة فريدة اللغة الإنجليزية



وفى القاهرة التحقت نزيهة بمدرسة ثانوية للبنات والتحق لبيب بمدرسة تجارية متوسطة، اما رفعت فالتحق بمدرسة ابتدائية وبعد اتمامه لها التحق ايضا بمدرسة تجارية وكان وقتها يتقن التحدث باللغتين الانجليزية والفرنسية ، وبرغم محاولات سامى ان يخلق من رفعت رجلا منضبطا ومستقيما الا ان رفعت كان على النقيض من اخية سامى فقد كان يهوى اللهو والمسرح والسينما بل انه استطاع ان يقنع الممثل الكبير بشارة وكيم بموهبته ومثل معه بالفعل في ثلاثة افلام

 

وفي عام 1943 تزوجت نزيهة من الملازم اول احمد شفيق في حين سافرت امه الى دكرنس للإقامة مع أخوها ليجد رفعت نفسه محروما فجأة من امه وأخته التى كان يحبها كثيرا، ووجد نفسه فجأة مطالبا بتحمل أعباء نفسه ومن ثم وعلى سبيل الإحتجاج رسب عمدا فى امتحان العام الدراسي الثالث بمدرسته التجارية وفي هذا الوقت تزوج شقيقه سامي من ابنه محرم فهيم نقيب المحامين فى ذلك الوقت، في حين انشغل لبيب بعمله، ولما كان هناك ملاحق للراسبين فى الامتحان النهائي ومع ثورة الجميع على رفعت ومطالبته بالنجاح في الملاحق الا انه كان مصرا .. ورسب للمرة الثانية



وفي العام التالي نجح رفعت فى الامتحان ولم يعد امامه الا عام واحد على التخرج وبالفعل تخرج في عام 1946 فى الوقت الذى كان فيه قد انضم الى عالم السينما

الا انه احس ان الوقت قد حان لكي ينتقل لمجال آخر، وربما كان يريد وقتها الهروب من (بيتي) تلك الراقصة التى تعرف عليها، فتقدم بطلب لشركة بترول اجنبية تعمل بالبحر الأحمر للعمل كمحاسب واختارته الشركة برغم العدد الكبير للمتقدمين ربما نظرا لإتقانه الإنجليزية والفرنسية، وانتقل بالفعل الى رأس غارب حيث بقى لمده خمسة عشر شهرا تعلم خلالها كل ما امكنه عن اعمال البترول واقام علاقات متعدده مع مهندسين اجانب، وفي هذه الأثناء توفيت والدته بدكرنس



وفي عام 1947 قرر رئيسه نقله الى المركز الرئيسي بالقاهرة ولما كان لا يرغب في العودة الى القاهرة آنذاك إذ انه لن يستطيع ان يكون قريبا من أخته نزيهة وأبناءها وفي الوقت نفسه لا يستطيع رؤيتها مع سوء علاقته بزوجها فقد رفض الترقية

وانتقل الى الإسكندرية للعمل في شركة كيماويات كان رئيسها قد فاتحه أكثر من مرة للعمل لديه، وسر منه صاحب الشركة كثيرا نظرا لإجتهاده وكان يعامله كإبن له وهو الشئ الذى كان يفتقده رفعت كثيرا



وفي عام 1949 طلب منه صاحب الشركة السفر الى القاهرة لأنه غير مطمئن للمدير هناك وطلب منه مراجعه اعماله

وسافر رفعت الى القاهره وراجع اعمال مدير الفرع فلم يجد ما يثير الريبه وتسلم منه الخزانه وراجع ما فيها دون ان يدري انه يمتلك مفتاحا ثانيا لها، وفي اليوم التالي اكتشف ضياع الف جنيه من الخزانه واصبح هو من الناحية الرسمية المسئول عن ضياع المبلغ، واتصل مدير الفرع برئيس الشركة بلإسكندرية وابلغه انه عثر على المبلغ في غرفته وهو ما لم يحدث، وعاد رفعت الى الإسكندرية وقال له رئيسه انه يصدقه لكنه لا يستطيع الإبقاء عليه فى وظيفته تجنبا لإجراء اى تحقيقات رسمية لكنه ايضا رتب له عمل آخر مع صديق له يدير شركة ملاحه بحرية .. ولم يكن امام رفعت خيار آخر

 
وبدأ رفعت العمل كمساعد لضابط الحسابات على سفينة الشحن "حورس"، وبعد أسبوعين من العمل غادر مصر لأول مرة في حياته على متن السفينة. وطافت "حورس" طويلا بين الموانئ؛ نابولي، جنوة، مارسيليا، برشلونة، جبل طارق، طنجة .. وفي النهاية رست السفينة في ميناء ليفربول الإنجليزي لعمل بعض الإصلاحات وكان مقررا أن تتجه بعد ذلك إلى بومباي الهندية



ولما كان من المفترض أن تبقى السفينة لمدة ليست بالقصيرة في ليفربول فقد بدأ رفعت في أستكشاف المكان وتولت الأقدار أمر تعارفه بـ "جودي موريس" وهي فتاة انجليزية ذكرته كثيرا ببيتي التى كان يعرفها في مصر، غير أن جودي كانت تختلف كثيرا فقد كان والدها شخصية نقابية هامة في انجلترا



ولما أصبحت "حورس" جاهزة للرحيل تمسكت جودي برفعت وطالبته بالبقاء معها لبعض الوقت لكنه لم يكن مستعدا لخسارة وظيفته أو البقاء في انجلترا بطريقة غير مشروعة، غير أن جودي أوضحت له أن كثيرا من البحارة يضطرون إلى إستئصال الزائدة الدودية وبذلك يتخلفون عن اللحاق بسفنهم وينتظرون إلى أن تعود مرة آخرى كما أن والدها يستطيع مساعدته في الحصول على تصريح إقامة ومن ثم أدعى رفعت الألم وأجرى عملية إستئصال الزائدة الدودية وهو لا يشكو حقيقة منها بأي ألم



وعقب تماثله للشفاء التحق بالعمل لدى والد جودي في الميناء بعد أن رتب له الوالد تصريحا بالعمل



وسارت الأمور طبيعية بعض الوقت إلى أن شعر رفعت أن الأمور تتطور في غير صالحه خاصة بعد أن تعلقت جودي به كثيرا وأعلنت صراحة رغبتها في الزواج منه، ولما كان قد أيقن أنها لا تصلح له كزوجه فقد أنتهز أول فرصة حينما عادت "حورس" إلى ليفربول ليودعها عائدا إلى حياة البحر



وفي مارس 1950 عاد رفعت الجمال إلى مصر. عاد ليجد نفسه لم يتغير كثيرا فقد وجد نفسه كما رحل عنها؛ بلا أسرة أو عائلة. ولذلك لم يلبث أن رحل مرة آخرى على متن سفينة ترفع العلم الفرنسي. وبعد أربعة أيام من الإبحار وصلت السفينة إلى مارسيليا حيث واصل رفعت هوايته في إستكشاف الأماكن، ومن مارسيليا أنتقل إلى العاصمة الفرنسية باريس حيث واجه خطر الترحيل لأنه لم يكن يمتلك تأشيرة إقامة



ومن باريس أستقل رفعت القطار إلى العاصمة الإنجليزية لندن زاعما أنه مضطر لاستشارة الطبيب الذى أجرى له استئصال الزائدة الدودية وحصل بموجب ذلك على تأشيرة دخول لمدة أسبوعين ولم يكن من الممكن بالنسبة إليه أن يكون في انجلترا دون أن يعرج على ليفربول لرؤية جودي التى بكت من الفرحة حينما رأته متصورة أنه عاد من أجلها



وهناك ساعده قس مسيحي، كان قد طلب منه في زيارته الأولى لليفربول أن يعلمه ما يعرفه عن الإسلام، في الحصول على وظيفة جيدة في وكالة سفريات تدعى  سلتيك تورز



وأظهر رفعت كفاءة كبيرة في عمله الجديد ونجح في إقناع رئيسه في محاولة الحصول على موافقة السفارة المصرية بلندن على أن تتولى "سلتيك تورز" تنظيم سفر الدبلوماسيين المصريين والحاصلين على منح دراسية من وإلى انجلترا وأقتنع رئيسه ونجح رفعت في مهمته وعاد إلى الوكالة بعقد مربح بلغت عمولته عنه 2000 جنيه استرليني وهو مبلغ رهيب بالنسبة لهذا الزمن



وقبل أن تمر خمسة شهور على هذه الصفقة زادت أرباح وكالة السفريات وزادت مدخراته إلى 5000 جنيه استرليني وضعها في بنك أمريكان أكسبريس مقابل شيكات سياحية بنفس القيمة



وفكر رفعت في تكرار تجربته مع السفارة المصرية في نيويورك وأقنع رئيسه بالفكرة وسافر بالفعل على الفور إلى نيويورك. لكنه لم يكن يعلم أنه لن يعود مرة آخرى